كلما وقعت مشكلة بالبلد أو صارت حرب أو أزمة سياسية أو غيرها نقول "الحق على النظام".
أي نظام نعني وهل نقصد الدستور؟
أسئلة يجب أن نجد لها إجابات واضحة وليس أفضل من الدستور للإجابة عنها. عودوا إلى الدستور تعودوا إلى الوضوح.
مقدمة الدستور هي الميثاق وقد حسمت أموراً كثيرة كان هناك خلاف حولها منذ عام 1943 وبقيت غامضة ولم يكن هناك نص صريح، فجاءت مقدمة الدستور وحسمت الأمر. وقد أصدر المجلس الدستوري عدة قرارات أكد فيها أن مقدمة الدستور جزء لا يتجزأ من الدستور وأصبحت السلطتان التشريعية والتنفيذية مجبرتين على التقيّد بما نصت عليه مقدمة الدستور. وللأسف لا يخفى على أحد أن الأمور جميعها كانت تسير في السابق باتجاه مخالف لما نصّ عليه اتفاق الطائف والدستور.
ومن جملة هذه الأمور مثلاً قضية تطبيق المادة 95 من الدستور التي رسمت المسار الذي يؤدي تدريجياً من التحوّل من دولة ذات طابع طائفي إلى دولة مدنية. إذ لم تشكّل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية والتي كان من المفترض أن تشكّل عام 1992. والأمور الأخرى التي نصت عليها المادة 95 من الدستور قد طبّقت عكس ما جاءت فيها، إذ تنص المادة المذكورة على إلغاء الطائفية السياسية في جميع مراكز الدولة ما عدا الفئة الأولى، مع مراعاة الجدارة والكفاءة، مع عدم تكريس أية وظيفة لأية طائفة والواقع أن الطائفية السياسية كرِّست على كل المستويات وكرّست مراكز في الدولة لطوائف محدّدة، وهذا أساء جداً للممارسة السياسية وللدستور ومن الأمور التي أوصلتنا إلى هذه الحالة التي نحن فيها، إذ أدى إلى تقاسم الدولة بين مجموعة من الزعماء في إطار ما سمّي بالمحاصصة، ونتج عنه في النتيجة انهيار الدولة.
كما أن رئاسة الجمهورية لم تمارس وفق ما نصت عليه المادة 49 من الدستور التي نصت على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ومؤتمن على الدستور وعلى وحدة لبنان وعلى استقلاله، وللأسف الشديد رؤساء الجمهورية السابقون بفعل الممارسة قد وصلوا إلى الرئاسة وأصبحوا جزءاً من تركيبة السلطة والمشاركة في المحاصصة، وفقدت رئاسة الجمهورية هيبتها كرئاسة للدولة ككل.
مجلس الوزراء لم يعمل أيضاً كمؤسسة، فاتفاق الطائف والدستور نصّا على أن يكون مؤسسة، ونقلت السلطة الإجرائية إليه على أن يمارس دوره كمؤسسة وتكون له إدارة خاصة، وهذا ما لم يحصل أيضاً .
إضافة إلى أن هناك مفاهيم أساسية مبني عليها النظام السياسي اللبناني، وأولها ميثاق العيش المشترك الذي ورد في الفقرة الأخيرة من مقدمة الدستور التي نصت على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. فذهبت كل مجموعة سياسية إلى تفسير ميثاق العيش المشترك كما تراه وكما يناسبها وأصبح بعدها ميثاق العيش المشترك ميثاقاً بين عدد قليل من القابضين على السلطة، فعندما يتفقون مع بعضهم يكون هناك عيش مشترك في أحسن أحواله وإذا اختلفوا فلا يكون هناك عيش مشترك.
من المفاهيم أيضاً مفهوم المشاركة في السلطة: المشاركة من أجل ماذا؟
هل هي المشاركة من أجل تقاسم السلطة أم مشاركة من أجل بناء دولة تحمي العيش المشترك وتوفر العيش الكريم للمواطنين لكي يصبح ثمة فائدة من عيشهم المشترك؟
فاللبنانيون عندما اختاروا العيش المشترك لم يختاروه من أجل العيش المشترك، لقد اختاروه عن قناعة منهم بأن هذا العيش المشترك سوف ينعكس إيجاباً على حياتهم وعلى كرامتهم من خلال إنشاء دولة توفر لهم العيش الكريم ليكون انتماؤهم إلى الدولة على حساب انتمائهم للطوائف والعشائر وغير ذلك. وهذا أيضاً لم يحصل.
مفهوم الديمقراطية البرلمانية فسّر بحسب أذواق السياسيين أيضاً. فمنهم من فسّرها ديمقراطية توافقية ومنهم من فسّرها ديمقراطية عددية وهذا يتعلق بشكل الديمقراطية ولكن الديمقراطية ليست شكلاً فقط.
فالانتخابات الديمقراطية هي نظام قيم ونهج من ممارسة السلطة ولم يعتمد في ممارسة السلطة نهج صحيح.
مفهوم الإنماء المتوازن للمناطق أيضاً الذي تحدثت عنه مقدمة الدستور وهو ركن أساسي من أركان وحدة الدولة التي يجب أن ترسم سياسات في إطار ما يحقق مضمون هذه الفقرة.
مفهوم الدولة الراعية والضامنة أي أن الدولة ترعى مواطنيها على مختلف انتماءاتهم ليقوى انتماء المواطن للدولة على انتمائه للطوائف، وقد ثبت بالدليل القاطع أن الطوائف لا تشكّل ضمانات للأفراد ولا سيّما بعد الحرب الأخيرة.
كل هذه الأمور ذهبت باتجاه معاكس لما نصّ عليه اتفاق الطائف وعكس الدستور، لذلك وصلنا إلى الحالة التي نحن عليها اليوم من انهيار الدولة على كل المستويات.
لذلك، يجب أن يقترح من أجل ضبط أداء السلطة تحديد مفاهيم أساسية بني عليها الدستور وتضاف كملحق إلى الدستور. هذه الوثيقة يحدد فيها مفهوم ميثاق العيش المشترك لكي لا تتعدّد التفسيرات ومفهوم المشاركة في السلطة من أجل ضبط هذه المشاركة ولتكون مشاركة من أجل بناء الدولة وتحقيق المصلحة العامة وانتظام عمل المؤسسات ومفهوم الديمقراطية.
نحن بحاجة إلى الدستور لضبط أداء من يمارس السلطة لأنه لا يوجد للأسف رقيّ في ممارستها.