في الآونة الأخيرة، يتكرر الخطاب القائل بأن الطائفة الشيعية في لبنان تعرضت للغبن والمظلومية منذ نشأة الكيان اللبناني، وأن من حقها، للتعويض عن هذا الظلم المزعوم، الحصول على وزارة المالية كموقع ثابت في النظام السياسي، وتُستخدم هذه الرواية ايضاً لتبرير مطالب أخزى للتمسك وتعزيز النفوذ داخل الدولة لتقوية نفوذهم - إلا أن هذا الطرح، عند التمعن فيه، يتناقض مع الواقع الفعلي والسياسي للطائفة في النظام اللبناني الحالي.
أولاً: ليس منطقياً الحديث عن غبن الطائفة الشيعية في ظل استمرار نبيه بري على رأس المجلس النيابي لعقود طويلة، وهو الموقع الثاني في هرم السلطة، الذي يتيح للطائفة نفوذاً سياسياً وتشريعياً لا يمكن إنكاره — مما مَنَحَ الثنائي سلطة عرقلة وأخذ القرارت المصيرية في الحياة السياسية اللبنانية.
ثانياً: الثنائي حزب الله وحركة أمل، ليسوا ضحية التركيبة اللبنانية، بل العكس تماماً.
لقد استفادوا من هذا النظام لتعزيز نفوذهم وهيمنتهم على مؤسسات الدولة. بل إن حزب الله، أصبح القوة الفاعلة والآمرة في القرار اللبناني — كيف يمكن الادعاء بوجود مظلومية في وقت كان حزب الله اللاعب الأساسي والمتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية؟ وساهم، مدعوماً بايران اقليمياً وبشريكه في الداخل اللبناني، نبيه برّي، في تكريس سيطرة غير مسبوقة على الدولة ومؤسساتها، معتمداً على بنية النظام الذي يدّعون أنه لا يعطيهم حقوقهم!
ثالثاً: المسؤولية عن تدهور الأوضاع في البيئة الشيعية تعود إلى خيارات الثنائي ولا أحد سوى الثنائي — من المحاصصة الطائفية الفاضحة الشرِسة، إلى السياسات التي أدت إلى الانهيار المالي والحروب المدمرة، وكان لهذه الخيارات تأثير مباشر على الطائفة ولبنان ككل. الظلم هنا ليس مفروضاً من الخارج، بل نتاج سياسات داخلية اختارتها قيادة الثنائي نفسها — فإذا كان مِن مسؤول عن تدهور أوضاع الطائفة، فهو الثنائي ومسارهم السياسي والاقتصادي، الذي عمّق الازمات من خلال نهج مليء بممارسات أدت إلى انهيارات غير مسبوقة. إذاً لا يمكن إنكار أن الثنائي أضر بمجتمعه وبالبيئة التي يمثلها نتيجة لسياساته الخاطئة، ولا يمكن الاستمرار بإلقاء اللوم على الآخرين لتبرير نتائج ما اقترفته أيديهم.
رابعاً: إذا كان الهدف فعلاً حماية حقوق الطائفة الشيعية وتطويرها، فإن ذلك لا يمكن تحقيقه من خلال التمسك بالمواقع الوزارية الحساسة لتغطية ملفات الفساد السابقة أو تعزيز الهيمنة. الحل يكمن في نقاش عميق حول صيغة نظام جديدة — وإذا كان الهدف الفعلي هو إنصاف الشيعة وباقي الطوائف، فعلى الجميع الاقتناع بأن النظام الحالي هو الأزمة الاساسية وبأننا بحاجة لنظام يسمح لكل مكوّن بأن يدير شؤونه بنفسه ضمن إطار فدرالي يحقق الإنماء المتوازن، ويحمي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لكل طائفة، ويعزز التنافس الإيجابي على صعيد التطور والحوكمة.
خامساً: في المقابل، إذا استمر أصحاب القرار في التمسك بصيغة اتفاق الطائف، لاعتبارات إقليمية وداخلية مفروضة، فإن ذلك سيستوجب مساومات كبرى لن تؤدي إلا إلى ترسيخ التوازنات الهشة وتزيد من تعقيد المشهد اللبناني. هذه المساومات لن تبني دولة ولا تحمي المكونات، بل ستكرس نفوذ الفاسدين داخل الطوائف وتعزز حضورهم، وتزيد من معاناة اللبنانيين جميعاً، طالما أن الهواجس المصطنعة التي يروجون لها تُفرض على الجميع ويتم ابتزازهم بها.
لم يعد مقبولاً الهروب من المسؤولية عبر خطاب الغبن والمظلومية من قبل الثنائي أو التغاضي من قبل الطوائف والقوى الأخرى. على القوى أن تتحلى بجرأة سياسية، تفتح الباب بنقاش جدّي لإعادة صياغة النظام اللبناني نحو عدالة وشراكة فعلية بين جميع المكونات ومناطقهم، بعيداً عن المحاصصة والاستئثار في النظام الحالي.
*كاتب سياسي