سوزان ليفي سانشيز

مناورة الصين في طاجيكستان: شراكة أم هيمنة؟

25 أيلول 2020

المصدر: The Interpreter

02 : 01

لوحة جدارية لرئيس طاجيكستان إمام علي رحمن
أعلن ديبلوماسي صيني حديثاً أن جبال "بامير" في طاجيكستان تعود إلى الصين ولطالما كانت كذلك. هذه المساحة تَحِدّ منطقة الإيغور التي تتمتع بحكم ذاتي في "شينجيانغ" ومدينة "كاشغر" حيث ينتشر 17 معسكر اعتقال للإيغوريين. كان تعامل الصينيين مع مسلمي الإيغور وتوسّع مطالباتهم التاريخية الصريحة بجبال "بامير" كفيلَين بإثارة قلق سكان المنطقة والحكومتَين في طاجيكستان وحليفتها المقرّبة روسيا. يطرح هذا السيناريو عدداً من الأسئلة. ما هي أهداف الصين في المنطقة؟ وهل يظن الصينيون فعلاً أن طاجيكستان تنتمي إليهم؟ وهل يشير اختراقهم لإقليم "بامير" على طول حدودهم إلى استراتيجية طويلة الأمد ويشكّل تحركاً داعماً للمواقف الصينية الأخيرة حول هذه المنطقة؟

يقول الخبير في شؤون أوراسيا بول غوبل: "في الشهر الماضي، أعادت وسائل الإعلام الرسمية التابعة لجمهورية الصين الشعبية نشر مقالة بقلم المؤرخ الصيني تشو ياو لو الذي اعتبر منطقة "بامير" كلها ملكاً للصين، فأوحى بضرورة أن تعيدها طاجيكستان إلى بكين عاجلاً أو آجلاً".

تستند هذه المطالبات، جزئياً على الأقل، إلى تاريخ طويل من الوجود الصيني الذي يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد. من الواضح أن تلك القناعة التي تحملها الحكومة الصينية ولم تعبّر عنها يوماً بهذه الدرجة من الصراحة بدأت تؤجج مخاوف الكثيرين في آسيا الوسطى حول الاستراتيجية الصينية التي تبدو غير نفعية ولا تتعلق بمصالح البلد الخاصة. بل يشتبه هؤلاء بأن أهداف الصين جزء من استراتيجية أوسع ترتكز على طموحات استعمارية جديدة وإمبريالية تقوم في الأساس على مطالبات جغرافية وتاريخية.

لقد تحولت التعليقات السلبية حول وجود الصين ونشاطاتها في منطقة "بامير" منذ أكثر من عشر سنوات إلى شائعات وادعاءات ماكرة عن توجّه الصين للسيطرة على المنطقة الحدودية كلها. حين وهبت حكومة طاجيكستان قطعة أرض من مقاطعة "غورنو بدخشـان" في منطقة "مرغاب" في إقليم "بامـير"، على طول الحدود الصينية، ظن الكثيرون في المنطقة أن أسوأ كوابيسهم عن النوايا الصينية بدأت تتحقق على أرض الواقع.

تفيد التقارير بأن طاجيكستان تدين للصين بمبلغ 1.2 مليار دولار، أي ما يساوي نصف ديون البلد الخارجية التي تصل إلى 2.9 مليار. لدفع جزء من ذلك الدين، وقّعت حكومة طاجيكستان في العام 2011 اتفاقاً لمنح 1158 كيلومتراً مربعاً من جبال "بامير" الطاجيكستانية إلى الصين، ثم أعطت بكين في أواخر العام 2019 الحق بالاستفادة من منجم فضّة مربح في المنطقة نفسها. تقع المساحتان بالقرب من قاعدة عسكرية صينية جديدة في طاجيكستان، ما يشير إلى توسّع الوجود الصيني العسكري والأمني في المنطقة تزامناً مع استيلاء الصين على الأراضي والموارد هناك.

تراقب روسيا الوضع عن كثب وليست مسرورة باستيلاء الصين على دورها التقليدي كحامية للمنطقة وضامنة لأمنها. ويبدو أن حملة مدعومة من روسيا على مواقع التواصل الاجتماعي تشكّل جزءاً من استراتيجيتها لتسليط الضوء على معارضتها لزيادة الاستثمارات الصينية في المنطقة وكشف ممارسات الإقراض التي ترتكز على استراتيجية فخ الديون وتنعكس بدرجات متفاوتة على منطقة جبال "بامير".

بالإضافة إلى جهاز الأمن الصيني المزدهر، تتدفق الشاحنات والعمليات التجارية الصينية إلى جميع أنحاء المنطقة. حتى أن الصين ركّبت كاميرات الضبط المروري، وموّلت عمليات إعادة الترميم وشيّدت مبانٍ حكومية جديدة، وبَنَت طرقات وأنفاقاً متعددة في طاجيكستان كجزءٍ من "مبادرة الحزام والطريق" التي تمتد في أرجاء المنطقة. تقع هذه المساحة على بُعد 65 ألف كيلومتر مربع وهي بحجم سريلانكا تقريباً أو ستة أضعاف حجم لبنان، ويبلغ عدد سكانها حوالى 350 ألف نسمة على طرفَي الحدود الأفغانية الطاجيكستانية في ولاية "بدخشان"، وتقتصر الأرض الصالحة للزراعة فيها على 3%. لكن تبقى هذه المنطقة معروفة بغناها بمناجم المعادن، وهي مشهورة بأحجارها الكريمة أو شبه القيّمة. كذلك، تشير المصادر الصينية إلى وجود حوالى 145 وحدة من رواسب الذهب في طاجيكستان وحدها.



جبال بامير شرق طاجيكستان



في الوقت نفسه، يرحّب عدد كبير من سكان مقاطعة "غورنو بدخشان" الطاجيكستانية وولاية "بدخشان" المجاورة في أفغانستان بهذا الدعم الصيني. تقدّم الحكومة الصينية مِنَحاً مدرسية لأبناء القادة المحليين وتموّل القواعد العسكرية والمشاريع التنموية ولا تطلب الكثير في المقابل من الحكومتَين على طرفَي الحدود. منذ العام 2015، طوّرت الصين قاعدتَين سريتَين في طاجيكستان وأفغانستان (أصبحتا علنيتَين في نهاية المطاف)، ونظمت تدريبات مشتركة على طول الحدود، وشاركت في تقاسم المعلومات الاستخبارية وعمليات الاستطلاع المشتركة، وباعت أو قدمت المعدات العسكرية والأمنية إلى الجيوش ووحدات الشرطة محلياً.

يراقب الروس كل ما يحصل بحذر ويتلاعبون بالطرفين. من جهة، هم يشاركون في جهود ديبلوماسية ناشطة وشراكات اقتصادية مع الصين. ومن جهة أخرى، لا يترددون في تكثيف الحملات المعلوماتية في المنطقة عبر استعمال الأصول المحلية ونشر الرسائل عن سلبيات الوجود الصيني والطموحات الاستعمارية الجديدة في منطقة جبال "بامير" تحديداً.

على صعيد آخر، تعكس ردة فعل حكومة طاجيكستان تجاه توسّع بكين في المنطقة عدم استعدادها للرضوخ للصين واستمرار تحالفها مع روسيا وعمق العلاقة التي تجمعها بها. لكن تثبت زيادة الاتفاقيات والشراكات التجارية والتنموية والأمنية الصينية مع طاجيكستان استعداد الحكومة المحلية لتقبل توسّع نفوذ الصين وسيطرتها في المنطقة عبر عقد اتفاقيـــات التعدين ووهـــب الأراضي. في الوقت نفسه، تحـاول الحكومة في طاجيكســـــتان استرضاء روسيا عبر تبنّي خطاب حول صدّ الانتهاكات الصينية لأراضيها. اتّضحت هذه النزعة مثلاً في ردة فعل الرئيس إمام علي رحمن، حين رفض حديثاً مطالبة الصين بالجزء الشمالي الشرقي من طاجيكستان.

من المتوقع أن تضغط روسيا على رحمن للتصدي للصين بما يفوق الجهود التي يبذلها راهناً، ما يعني أنه سيجد نفسه في موقف صعب. يجب أن يُدفَع جزء كبير من الديون غير المُسددة للحكومة الصينية في مشاريع متعددة في بلده. في الوقت نفسه، لطالما حاولت طاجيكستان استرضاء داعمها الأمني الروسي فلاديمير بوتين، ولطالما تلاعب رحمن بأطراف عدة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وقد نجح في مساعيه دوماً. سيستمر هذا الوضع على الأرجح في المستقبل المنظور. في العام 2012، واجه رحمن أزمة الديون في بلده عبر تأجير أرض في المنطقة الزراعية الأساسية في قلب طاجيكستان ومنح مساحة من الجزء الشمالي الشرقي في جبال "بامير" الطاجيكستانية إلى الصينيين. وبعد وقتٍ قصير، وقّع اتفاقاً أمنياً لزيادة عدد المستشارين العسكريين الروس وتوسيع الوجود الروسي في المنطقة. ثم تعاون مع الصينيين وسمح لهم ببناء قاعدة خاصة بهم والمشاركة في تدريبات عسكرية أخرى والحفاظ على وجودهم في البلد.

تزامنت هذه الخطوات كلها مع عقد شراكات متنوعة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً في المجالات التنموية والأمنية والعسكرية.

في الوقت الراهن، بدأت الصين تتفوق على روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجال تمويل المشاريع التنموية والاستثمارات الاقتصادية والوجود الأمني والشراكات في طاجيكستان. لن يتغير في المستقبل القريب إلا الرابط الروسي الصيني ومن المتوقع أن تُستعمل تكتيكات ورسائل فاعلة لإضعاف نفوذ الأطراف الأخرى.

قد يتحدد مسار الأحداث في هذه المنطقة خلال مرحلة معينة بحسب نتيجة هذه المساعي كلها واستعداد الصين وروسيا لعقد شراكة ثنائية في المنطقة للتصدي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو تفضيلهما إطلاق منافسة محتدمة بينهما، حتى أن هذه التطورات قد تسهم في توضيح النوايا الصينية الحقيقية.