يحكى أن فايثون، ابن إله الشمس هيليوس في الأساطير الإغريقية، كان شاباً مفعماً بالطموح والثقة، لكنه مدلل لا يدرك حدود قدراته. أراد فايثون إثبات نسبه الإلهي وطلب من والده السماح له بقيادة عربة الشمس التي تضيء العالم كل يوم. ورغم تحذيرات هيليوس من خطورة هذه المهمة، أصر فايثون بعناد على مطلبه. وعندما أمسك بزمام العربة، فقد السيطرة عليها، فتسببت في حرائق هائلة بأجزاء من الأرض وتجمدت أجزاء أخرى، ما اضطر الإله زيوس للتدخل وإنهاء حياة فايثون لإنقاذ العالم.
مسرحية "الطفل المدلل" في السياسة اللبنانية
في مشهد يُجسِّد انهيار هيبة ما يُسمى "الثنائي الشيعي"، يطلّ نعيم قاسم أمين عام حزب الله ليصرخ: "نحن انتصرنا غصباً عنكن"، بينما يُصرّ نبيه بري رئيس حركة أمل على مطالبته بـ"وزارة المال لياسين جابر". هذان الرجلان، يبدوان كطفلين مُدللين يُحاولان تعويض خسارتهما العسكرية والسياسية بابتزاز داخلي، لكن زمن "الدلع الإيراني" ولَّى، والعهد الجديد بقيادة الرئيسين جوزف عون ونواف سلام يُعلن نهاية هيمنتهما.
نعيم قاسم.. "بيّي أقوى من بيّك" بلا سند!
نعيم قاسم، الذي يُحاول أن يرث خطابية حسن نصرالله، يتحوّل إلى دمية تائهة في مسرح السياسة. خطاباته المليئة بالتناقضات تُشبه صراخ طفل يُحاول إقناع نفسه قبل الآخرين بنصر وهمي. فبعد الهزيمة العسكرية في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، والتي أفقدت الحزب صورة "القوة التي لا تُقهر"، بات قاسم عاجزاً عن تقديم أي مضمون مُقنع، فاستبدل الخطاب الجهادي بتهديدات فارغة مثل: "سنكون بوجه أي محاولة لإقصائنا".
لكن الواقع يقول إن الحزب فقد شرعيته حتى داخل طائفته؛ فشريحة من جمهوره بدأت تُطالبه بمراجعة سياساته بعد الخسائر البشرية والمادية الفادحة، بل إن بعض المثقفين الشيعة يجاهرون بانتقاد توجهاته التي "لا تخدم مصالح الطائفة". حتى الدعم الإيراني المُعتاد لم يعد كما السابق، فطهران، المُحاصرة دولياً، لم تعد قادرة على ضخ الأموال والأسلحة بنفس الكثافة، مما جعل الحزب "فريسة لانقلاب حاله".
نبيه بري... "خدعة وزارة المال" وقميص عثمان الجديد
أما نبيه بري، فيُكرر مسرحية المطالبة بوزارة المال تحت ذريعة "التمثيل الشيعي"، لكن الحقيقة أن الرجل يريد السيطرة على مفاصل الدولة عبر وزير مالية مُقرّب، تماماً كما فعل مع علي حسن خليل الذي حوَّل المالية إلى "مزرعة فساد" لصالح الثنائي طوال 12 عاماً.
الغريب أن بري، الذي يتحدث عن "الميثاقية"، ينسى أن اتفاق الطائف يُلزم بفصل النيابة عن الوزارة، ولا يقول بأحقية الطائفة الشيعية بالتوقيع الثالث، لكنه يُصرّ على خلط الأوراق لضمان هيمنته على القضاء عبر شخصيات مثل مدعي عام المال علي إبراهيم، الذي يُوصف بأنه "في جيب بري الصغير". هذه الخدعة لم تعد تنطلي على اللبنانيين، خاصة بعد أن كشفت التحقيقات الدولية دور الثنائي في تهريب المخدرات وتبييض الأموال، والتي حوَّلت مناطق نفوذه إلى "أحزمة بؤس".
إيران... "الأب العاجز" والصفعة الترامبية
المراهنة الإيرانية على الثنائي بدأت تتداعى. فـ"الأب الحامي" في طهران لم يعد قادراً على حماية أبنائه في لبنان بعد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض، وتصاعد الضغوط الدولية لفرض عقوبات على المحور الإيراني. حتى المفاوضات النووية لم تعد تُتيح لإيران مساحة للمناورة، مما دفعها إلى التخلي عن بعض أوراقها في المنطقة، بما فيها لبنان.
هذا الواقع دفع الثنائي إلى تبني استراتيجية "النعامة" التي ترفض الاعتراف بالهزيمة، فبدلاً من مراجعة الذات، يُحاولان تعويض خسارتهما بالضغط على الحكومة الجديدة عبر مقاطعة الاستشارات النيابية أو التلويح بـ"عرقلة التشكيلة الوزارية". لكن هذه التكتيكات باتت أشبه بصراخ طفل يائس يعلم أن عصاه الوحيدة – السلاح – لم تعد تُخيف أحداً بعد أن التزمت إيران بوقف إطلاق النار.
نواف سلام... "الكرباج" الذي يؤدب الثنائي
في وجه محاولات الابتزاز هذه، يبرز الرئيس المكلّف نواف سلام كـ"الكرباج" الذي يُعيد الثنائي إلى حجمه الطبيعي. سلام، الذي التزم بخطاب وطني صارم، رفض الانصياع لمطالب الثنائي بالحقائب السيادية مثل المالية والأشغال، مؤكداً أن تشكيل الحكومة سيكون وفق الدستور واتفاق الطائف، وليس وفق "المقاسات الطائفية".
بل إنه تجاوز لعبة "التسريبات الإعلامية" التي حاول الثنائي استخدامها للضغط، مثل الإيحاء بترشيحات وهمية لوزراء من محاسيبه، مما دفع سلام إلى الإعلان صراحةً: "كل الأسماء المُتداوَلة إعلامياً غير صحيحة". هذا الموقف الحازم، المدعوم من الشرعية الدولية والعربية، يُشير إلى أن العهد الجديد لن يسمح بإعادة إنتاج نموذج الحكم الفاسد الذي هيمن عليه الثنائي لعقود.
الجيش اللبناني... نهاية "زمن الزعران"
لم تنجح محاولات الثنائي لاستعادة النفوذ عبر استفزازات الشارع، مثل حملة زرع الدراجات النارية في بيروت بقيادة الحاج وفيق صفا، والتي هدفت إلى إرهاب اللبنانيين وابتزاز الحكومة. فالجيش اللبناني تحرك سريعاً لقمع هذه المحاولات، وقام باعتقال العناصر المُتسببة في الإخلال بالأمن، مُرسلاً رسالة واضحة: "زمن الهيمنة بالسلاح انتهى".
هذه الخطوة تعكس تحولاً جذرياً في موازين القوى، حيث أصبح الجيش، المدعوم دولياً، ركناً أساسياً في حماية الاستقرار، في مقابل تراجع دور الميليشيات التي أنهكتها الحرب وقطعت عنها إيران الإمدادات.
الثنائي يُشيَّع نفسه... فمن سيرث السلطة؟
الثنائي الشيعي، الذي حوَّل الطائفة إلى "غنيمة سياسية"، يُشيَّع نفسه اليوم بيديه. فسقوط نظام الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني، وكشف ملفات الفساد، كلها عوامل أظهرت أن "المقاومة" لم تكن سوى غطاءً لمشروع هيمنة طائفي. اللبنانيون اليوم، بقيادة جيل جديد من السياسيين والمجتمع المدني، يُدركون أن الخلاص لن يأتي إلا بتفكيك هذا الثنائي الفاشل، واستعادة الدولة من براثن الفساد والتبعية.
وفي النهاية، لا يمكن للثنائي أن يستمرّ بعقلية فايثون ابن هيليوس، وإلّا فسوف تلدغه ألسنة الشمس وسوف يقضي عليه الإله "زيوس" أي الإيراني الذي يشغّل حساباته الخاصة لأجل أن يكسب في جهوريته الاسلامية حصراً. فهل يدرك الثنائي هذه الحقيقة، أم أنه سيستمر في الانتحار السياسي على حساب الوطن؟