في العام 1984، شهد لبنان ما عُرف بانتفاضة 6 شباط، التي لم تكن سوى انقلاب على الدولة ومؤسساتها الشرعية، ومهدت لعودة الاحتلال السوري إلى بيروت الغربية وإحكام قبضته على القرار اللبناني. في 6 شباط من العام 2006، وقّع "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" ورقة تفاهم مار مخايل، التي كرّست منطق الدويلة على حساب الدولة، ومهّدت لسلسلة من الأحداث التي عززت هيمنة "حزب الله" على المؤسسات الرسمية. ولكن في 7 شباط 2025، يشهد لبنان تحولاً مفصلياً مع تشكيل أول حكومة تكسر هذه الهيمنة، وتعيد الاعتبار للقرار الوطني المستقل.
6 شباط 1984: تحطيم الدولة لمصلحة الدويلة بعد الدعم الدولي
كانت هذه الانتفاضة بقيادة "حركة أمل" برئاسة نبيه بري، وبدعم من "الحزب التقدمي الاشتراكي" بقيادة وليد جنبلاط، إضافةً إلى بقايا قوى يسارية وقومية عربية. وقد شكّل انشقاق اللواء السادس في الجيش اللبناني، بقيادة العميد محمد الخير، والتحاقه بالميليشيات، نقطة تحول رئيسية ساهمت في انهيار سيطرة الدولة على بيروت الغربية.
بدأ الانقلاب بهجمات شنتها ميليشيات "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ضد مراكز الجيش اللبناني والقوى الأمنية في بيروت الغربية، ما أدى إلى انسحاب الجيش من المنطقة وسقوطها بيد المسلحين. كان هذا جزءاً من استراتيجية النظام السوري لاستعادة نفوذه في لبنان، بعد أن اضطر إلى سحب قواته من بيروت عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي.
الحجة المزعومة لهذا العمل الميليشيوي كانت إسقاط اتفاق 17 أيار 1983، وكيف لا، ولطالما كانت حجة مواجهة إسرائيل تُستخدم لقلب الطاولة في الداخل. كانت المفاوضات آنذاك في أوجها بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية، بوساطة أميركية، لإنهاء حالة الحرب. المتضرر الأساسي من هذا التغيير السياسي الإقليمي كان، بطبيعة الحال، النظام السوري، الذي مارس من خلال حلفائه ضغوطاً شديدة لإفشال الاتفاق عبر السيطرة على الصوت الإسلامي وقلب الطاولة في بيروت الغربية. النتيجة: تعزيز سيطرة النظام السوري على لبنان عبر أدواته المحلية، مع بروز "حركة أمل" كقوة رئيسية مدعومة من دمشق، في وقت بدأ فيه "حزب الله" بالصعود كقوة شيعية ذات ارتباط مباشر بإيران.
6 شباط 2006: التواطؤ السياسي مع السلاح غير الشرعي
بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، إثر انتفاضة وطنية تُرجمت بالثورة المليونية في 14 آذار من العام نفسه، كان من الممكن استعادة السيادة، إلا أن القوى السياسية التي يُفترض أنها سعت إلى التحرر الوطني اختارت التحالف مع بقايا النظام السوري في لبنان.
في 6 شباط 2006، وقّع "التيار الوطني الحر" بقيادة ميشال عون ورقة تفاهم مع "حزب الله"، في كنيسة مار مخايل - الشياح، لتبدأ مرحلة جديدة من تقويض الدولة لصالح ميليشيا مسلحة تمارس سلطتها بغطاء سياسي. لم يكن هذا التحالف مجرد شراكة سياسية، بل تحول "التيار الوطني الحر" إلى شريك في تعطيل الدولة حصل في 6 شباط 2006 كان تمهيداً وغطاءً لحرائق لم تنطفئ بعد من حرب تموز 2006 واعتصامات وإقفال الوسط التجاري 2007 و 2008، و 8 أيار 2008 وانقلاب 2011 مروراً بالتعطيل الممنهج للمؤسسات العامة والخاصة، من رأس هرمها في رئاسة الجمهورية إلى أصغر مواطن في مؤسسة خاصة… وصولاً إلى الاغتيالات التي طالت حصراً المؤمنين بقيام الدولة الحرة السيدة المستقلة، وأهمها تعطيل الانتخابات الرئاسية لفرض ميشال عون رئيساً عام 2016.
7 شباط 2025: استعادة القرار الوطني بدعم دولي من جديد
بعد عقود من سيطرة الميليشيات على القرار الوطني، يشكل 7 شباط 2025 محطة فارقة في استعادة الدولة. مع تشكيل حكومة تكسر هيمنة الثنائي الشيعي، يُفتح الباب أمام استعادة مؤسسات الدولة.
أي إصلاح لا يبدأ بإعادة المؤسسات كضامن لأي استقرار لا يمكن أن يُتوقع منه أي نتيجة جدية. حين نتحدث عن منطق المؤسسات، نعني أن الدولة وحدها هي التي تحتكر السلاح، وتدير العلاقات الخارجية، وتشرف على النظام المالي دون منازع.
هذه الخطوة، رغم أنها ليست نهاية الصراع، تمثل بداية لمسار استعادة السيادة وتحرير لبنان من منطق الدويلة. لكن يبقى التحدي الأكبر: هل تستطيع هذه الحكومة الصمود أمام التحديات المعيشية والاقتصادية والأمنية، أم ستلقى مصير كل المحاولات السابقة؟ الأيام المقبلة ستحدد اتجاه لبنان، بين العودة إلى الشرعية أو البقاء أسيراً لمنطق الميليشيات.