تتكرر التعابير التي يتضمنها البيان الوزاري في معظم الحكومات المتعاقبة. فكل بيان يتناول مكافحة الفساد وتطوير الخدمات العامة وتعزيز العملة الوطنية وتفعيل المرافق العامة والمحافظة على الحدود وتأكيد العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة ومنع التهريب وسوى ذلك من مواضيع تلاقي إجماعاً من كل الأطراف السياسية باستثناء موضوع واحد يشغل الرأي العام منذ عدة سنوات ويتعلق بالعلاقة بين الشعب والجيش والمقاومة حيث يرى البعض وجوب أن يتضمن البيان تأكيد هذه العلاقة ويرى البعض الآخر عدم وجوب هذا الأمر ولكل طرف مبرراته في هذا الشأن.
ويبقى السؤال عن الطبيعة القانونية للبيان الوزاري ومدى إلزاميته لا سيما إذا تضمن تعابير أو خطط مخالفة للدستور او القوانين النافذة.
ويقتضي في هذا المجال التأكيد بأن البيان هو عمل ملزم بموجب.
الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور التي نصّت بأنه على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.
كما أن البيان هو عمل ملزم قانوناً وفقاً للمادة 73 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على الآتي:
"تجري مناقشة البيان الوزاري في جلسة تعقد بعد 48 ساعة على الأقل من جلسة التلاوة ما لم يكن قد وزع البيان الوزاري على النواب قبل هذه الجلسة بمدة مماثلة.
يشكل البيان الوزاري السياسة العامة للحكومة وفقاً للفقرة الاولى من المادة 64 من الدستور التي تنص على ما يلي:
رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء». إن السياسة العامة للحكومة والتي يطرحها رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس النواب حسب الفقرة 3 من المادة 64، ما هي إلا البيان الوزاري.
فهذا البيان يمثل إذن السياسة العامة للحكومة. وطالما أن رئيس مجلس الوزراء هو مسؤول دستورياً عن تنفيذ السياسة العامة، فيكون بالتالي ملزماً بتنفيذ ما ورد في البيان الوزاري.
استنادا للنصوص المحدّدة أعلاه يمكن تحديد الطبيعة القانونية للبيان الوزاري كما يلي:
1 – إنه عمل مفروض دستورياً حتى تتمكن الحكومة من نيل الثقة على أساسه
2 - لا يمكن اعتباره قانوناً لأسباب عدة أهمها: عدم إقراراه من قبل مجلس النواب، وعدم إصداره ونشره من قبل رئيس الجمهورية وبالتالي لا يمكن للبيان أن يخالف أي من القوانين النافذة
3 - أنه لا يمكن اعتباره قراراً إدارياً نافذاً قابلاً للطعن أمام مجلس الشورى من شأنه إلحاق الضرر.
4 - لا يشكل البيان الوزاري عملاً حكومياً، باعتبار أن الأعمال الحكومية، يمكن الرجوع عنها أو سحبها وفقاً لما استقر عليه العلم والاجتهاد، في حين أن البيان الوزاري لا يمكن سحبه، باعتبار أن الحكومة نالت الثقة على أساسه.
5 - أن البيان الوزاري يشكل عملاً سياسياً بامتياز. ويعتبر ملزماً للحكومة، من الناحية السياسية، باعتبار أن مجلس النواب، باستطاعته بعد نيل الحكومة الثقة، أن يحاسبها، إذ وجد أنها تخلفت عن تحقيق وتنفيذ ما ورد فيه، أو أنها خالفته . فالحكومة لا تستطيع المثول أمام مجلس النواب إلا بعد أن تنجز مسبقاً البيان الوزاري. إن البيان الوزاري عبارة عن برنامج عمل يتلوه رئيس الحكومة أمام المجلس، يتضمن الخطوط الكبرى للسياسة التي تنوي الحكومة اعتمادها في شتى المجالات. وبموجب البيان، تتعهد الحكومة بالعمل على احترامه وتنفيذ ما ورد فيه. إن مخالفة الحكومة لمضمون بيانها، لا يجعلها حكومة غير قانونية أو اعتبارها مستقيلة، بل يمكن أن يعرضها للمساءلة أمام المجلس ومن ثم إلى حجب الثقة عنها عند الاقتضاء.
المطلوب اليوم، بيان وزاري لا يتضمن تعابير عامة موجودة في كل البيانات السابقة، انّما تحديد المسائل العالقة الواجب حلّها، وتحديد مهل محدّدة وصارمة للذلك، كما رفع تقارير شهرية عن الإنجازات والعوائق وتحمل مسؤولية عدم احترام المهل لكي نصدق ولو لمرة اننا امام حكومة تفعل ولا تذهب دون ان تفعل شيئاً كما كان الحال مع الحكومات السابقة.
.