قرّر "حزب الله" منفرداً دخول "حرب إسنادِ غزة" ضارباً بعرض الحائط القوانين والدستور اللبناني الذي نصّ بوضوح في الفقرة الخامسة من المادة 65 منه المعدل عام 1990 على أنه من المواضيع الأساسية التي تفترض موافقة ثلثي مجلس الوزراء قرار "الحرب والسلم" وأن الدولة اللبنانية بمؤسساتها الشرعية وحدها لها الحق باحتكار حمل السلاح وأخذ قرار السلم أو الحروب وخوضها.
قرّر، حارب، وخسر عسكريّاً ومن ثم فاوض "حزب الله" عبر شريكه في الثنائي الشيعي الرئيس نبيه بري على أنقاض خسارته الحرب، فكان اتفاق وقف إطلاق النار ترجمةً لخسارة يكابر حتى اللحظة بالإعتراف بها أمام بيئته المجروحة والتي اتخذها دروعاً بشرية مستغلاً أرواح الأبرياء منها خدمةً لأجندات سقطت في الواقع ومن مصير الجنوب الذي ما زال حتى الآن محتلاًّ.
فبالرغم من أنّ وزراء "الثنائي" في حكومة تصريف الأعمال وقّعوا على اتفاق وقف إطلاق النار، فريقهم هو من فاوض ووافق ووقّع عليه، والذي أدّى إلى إخضاع مطار بيروت إلى تفتيش دقيق تماشياً مع ما ورد في القرار الدولي 1701 وقرارات مجلس الأمن السابقة، كما البند السادس من اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على منع توريد أموال أو أسلحة تسمح بإعادة تشكيل أو تسليح جماعات مسلّحة غير حكومية من خلال فرض حظر جوي، بري، وبحري على كل ما يأتي إلى لبنان من إيران، ما زال "حزب الله" يتهرّب من مصارحة بيئته لهدفين أساسيين، الأول تخفيف نقمة البيئة عليه، والثاني تسهيل استخدامها من جديد كدروع بشرية ولكن هذه المرّة، ليس في حرب عسكرية التي لم يعد باستطاعته خوضها، بل بمعارك داخلية من خلال وضعها في مواجهة العهد والحكومة والجيش اللبناني كما فعل في اليومين الأخيرين وما رافقهما من تعدّ على قافلة لقوات حفظ السلام وإقفال طريق المطار ومواجهات مع الجيش اللبناني الذي تلقّى من الحكومة الجديدة تعليمات واضحة بفتح طريق المطار والقبض على من سمّاهم "حزب الله" في بيان نشرته "المنار" بـ "عناصر غير منضبطة".
ولكن ما فات "حزب الله"، هو أنه لم يعد باستطاعته خداع الرأي العام، فأصوات من بيئته تحديداً تعلو مطالبةً إيّاه بالانسحاب من حكومة قاتل ليشارك فيها أو مصارحتهم بحقيقة ما وقّع عليه وما يريد فعلاً وليس إدانتهم بما حثّهم على القيام به. خاصةً بعدما كشف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في حديث لموقع "أرغوس ميديا" بأن خطوة منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، كانت نتيجة لقرار رسمي اتخذ على مستوى الدولة والحكومة تجاه جميع الطائرات الإيرانية، وتأكيده أن مثل هذا القرار تم اتخاذه ولكن لم يتم الإعلان عنه لأن لا أحد على استعداد لتحمل المسؤولية عن هذه الخطوة الحساسة سياسياً. فـ"حزب الله" كان ممثلاً بثلاثة وزراء في الحكومة السابقة، فلماذا لم يطلعوا قيادة حزبهم على قرار منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي؟
على "حزب الله" أن يدرك البارحة قبل اليوم، بأن مبدأ "العنزة ولو طارت" الذي كان يفرضه البارحة من خلال انقلاباته على الدستور وعلى الحياة الديمقراطية في لبنان بقوة السلاح لم يعد قابلًا للصرف داخل المجتمع اللبناني عموماً وداخل بيئته خاصةً، والاعتراف بأن قرار وقف إطلاق النار الذي يعتبرونه حيناً انتصاراً وحيناً حصاراً، هو صنع أياديهم،
هم من أخذوا قرار الحرب والسلم من الدولة اللبنانية بالسلبطة والتعطيل والفرض والتحالفات الكاذبة،
هم من قرّروا خوض حرب الإسناد غصباً عن هذه الدولة وشعبها ومن دون الأخذ برأي ممثّلي الشعب داخل المؤسسات الشرعية،
هم من خاضوا هذه الحرب وخسروها وخسّروا البيئة الشيعية آلافاً من شبابها،
هم من رموها في ساحات الذل من دون تأمين أقلّه سقف فوق رؤوسها،
هم من فاوضوا وتوصّلوا إلى قرار وقف إطلاق النار الذي في حال عدم تطبيقه سيسقط من جديد على رؤوس اللبنانيين المزيد من الويلات التي لم يعد باستطاعة لبنان تحمّل تبعاتها، بل ينتظر اللبنانيون بياناً وزاريّاً يترجم خطاب القسم بدءاً من احتكار الدولة للسلاح في كل الـ 10452 كلم مربّعاً وصولًا إلى الإصلاح في كافة المؤسسات المعنية بتأمين الحياة الكريمة وحفظ كرامة الإنسان في لبنان.