جاد حداد

القراءة الجماعية تزيد الإبداع اللغوي

1 تشرين الأول 2020

02 : 00

تستنتج دراسة جديدة أن الدماغ البشري أثناء القراءة يعالج اللغة بطرقٍ مختلفة وبحسب وضع القارئ. اكتشف الباحثون مثلاً أن القراءة الجماعية قد تزيد مستوى الإبداع والتفكير التكاملي والفهم مقارنةً بمفعول القراءة المنفردة.

يدرك علماء الأعصاب منذ عقود أهمية أخذ السياق الاجتماعي بالاعتبار عند دراسة طريقة معالجة اللغة في الدماغ. يتغير أداء الفرد مثلاً حين يتواجد مع أشخاص آخرين، ويسمّي العلماء هذه الفكرة "نظرية التسهيل الاجتماعي". يبدو أن آثار هذا التسهيل تُحسّن قدرات التعلم والذاكرة. أثبتت دراسات سابقة بعض الآثار الإيجابية للقراءة الجماعية، منها زيادة الحماسة والانتباه والتركيز. في النهاية، يبقى الإنسان كائناً اجتماعياً بطبيعته.

لكن لم يكن أثر السياق الاجتماعي على قدرات معالجة اللغة واضحاً في السابق، لا سيما طريقة معالجة الجوانب الدلالية والنحوية من اللغة. يشير علم الدلالات إلى دراسة المعاني في اللغة، بينما يعني علم النحو عدد الكلمات والعبارات المستعملة لإنشاء جُمَل كاملة.

في الدراسة الجديدة، تعمّق باحثون من جامعة "كومبلوتنسي" في مدريد ومعهد "كارلوس الثالث" الصحي في إسبانيا بدور السياق الاجتماعي في معالجة اللغة. نُشرت النتائج في مجلة "كورتيكس".

قاس العلماء النشاط الدماغي لدى 28 امرأة ورجلَين من الناطقين باللغة الإسبانية عبر استعمال تقنية التخطيط الكهربائي للدماغ. بلغ متوسط أعمار المشاركين 22 عاماً ونصف.

كان جميع المتطوعين يستعملون يدهم اليمنى ويتمتعون بنظر طبيعي ولم يصابوا يوماً بمشاكل عصبية أو معرفية ولم يأخذوا أدوية نفسية سابقاً.

استخدم الباحثون تقنية "إمكانات الدماغ المرتبطة بالحدث" لتحليل العلاقة بين السلوك اللغوي والعمليات النفسية المتلاحقة مع مرور الوقت.

تقييم العبارات عبر الأخطاء

عرض الباحثون على المشاركين عبارات إسبانية مُعدّلة كي تشكّل نوعَين من العبارات الخاطئة. في المحصّلة، شملت التجربة 300 عبارة خاطئة من الناحية الدلالية أو النحوية، فضلاً عن 100 نموذج من عبارات الحشو الصحيحة.

جلس المشاركون في غرفة هادئة أمام شاشة مسطحة. بقي نصفهم وحده بينما تشارك النصف الثاني الغرفة مع شخص آخر جلس على يمين الشخص الأول وبلغت المسافة الفاصلة بينهما 55 سنتم تقريباً. تضمن هذه المسافة بقاء الطرف الآخر ضمن الرؤية المحيطية للمشاركين.

ظهرت العبارات بأحرف بيضاء على خلفية سوداء. طلب العلماء من المشاركين الضغط على أزرار معينة لتصنيف العبارات بين خاطئة وصحيحة.

وحين قاس الباحثون نشاطهم الدماغي، لاحظوا نشاطاً في منطقة الطَّلَل الدماغية لدى من يقرؤون مع أشخاص آخرين، لكن لم يُسجّل نشاط مماثل لدى القراء المنفردين. الطلل جزء دماغي مسؤول عن دمج المعلومات المرتبطة بإدراك البيئة المحيطة، كما أنه يشارك في معالجة المعطيات الاجتماعية وتلك التي ترتبط بالانتباه.

حين قرأ المشاركون بوجود شخص آخر، رصد العلماء نشاطاً كهربائياً محدداً يُعرَف باسم N400. هذا النشاط هو رد دماغي طبيعي على الحوافز القوية أو العوامل التي تحمل أهمية محتملة.

تعني إشارات N400 عموماً أن الفرد يشارك في حل مشكلة ويستعمل تكتيكات إبداعية ويُشغّل مناطق مختلفة من دماغه.

الفرق بين القراءة المنفردة والقراءة الجماعية

اكتشف الباحثون أن القراءة الجماعية قد تؤدي إلى رفع مستوى الإبداع والفهم المتكامل. مع ذلك، تترافق القراءة المنفردة مع منافعها الخاصة.

سجّل النشاط الدماغي الكهربائي لدى القراء المنفردين ما يُعرَف بنمط السلبية الأمامية اليسرى. يظهر هذا النمط في المرحلة الأولى من عملية المعالجة التلقائية.

صرّحت المشرفة الرئيسة على الدراسة، لورا خيمينيز أورتيجا، لمجلة "ميديكل نيوز توداي": "بناءً على تجربتي الخاصة، أدركتُ أن دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تتطلب مستوىً عاماً ومتكاملاً ومبتكراً من الفهم والتفكير. وتكشف دراستنا في هذه الحالة أن الفرد يستفيد بدرجة إضافية حين لا يكون وحده. لكن يستفيد الشخص من وحدته في المقابل حين يتولى مهامّ أكثر منهجية أو تلقائية، على غرار رصد الأخطاء وقراءة التعليمات أو تطبيقها. في الفترة الأخيرة، كنت أتحقق من علامات طلابي مثلاً ومن الأفضل أن أكون وحدي في هذه الحالة. وفي المرحلة المقبلة، أنوي تصميم دراسة بحثية جديدة تتطلب درجة عالية من الإبداع والتفكير التكاملي والفهم. في هذا المشروع، يجب أن أقابل زملائي حتماً".


MISS 3