ربى بشارة

علم النّفس في السّياسة اللّبنانيّة

لبنان الذّاكرة المبنّجة و "متلازمة التّأقلم على جميع الأحوال"

لبنان الذّاكرة المبنّجة و "متلازمة التّأقلم على جميع الأحوال".


يقول أب علم النَّفس فرويد أنّ الانسان مفطور على نزوات الحياة كما نزوات الموت و الغرائز التّدميريّة جزأ لا يتجزّأ من الكينونة الانسانيّة، و ينصّ علم النّفس على أنّ عوامل داخليّة (خاصّة بالفرد و مُعاشه كما طبيعة كينونته الجسديّة و النّفسيّة) و عوامل خارجيّة كالمجتمع و أداء الدّولة و البيئة) تحدّد بلورة هذه الغرائز و ترجمتها على أرض الواقع.


بات اليوم تفاقم صورة و عدد الجرائم موضوع صادم يستوقف اللّبنانيين، كما يزيد من استشعارهم بفقدان الأمن و الأمان، جرائم بغية سرقة أو لغاية خاصّة أو بسبب فقدان القدرة على السّيطرة و ضبط النّفس كجريمة قتل الشّاب خليل دهسا على الطريق أمام أعين شقيقته، جريمة بدا غير مستطاع تخطّيها من قبل العائلة كما الشعب اللّبناني برمّته.


رغم تفاؤل المواطنين برئيس الجمهوريّة الجديد لم تسلم المساحة النّفسيّة من الخوف و التّلبّك و القلق.


فلماذا، و ما الحلّ؟

انتقاص القدرة على صنع السّلام عالميًّا أصبح مرئيّ بوضوح فما يحصل من حروب و انتهاك لشرعة حقوق الانسان و للمواثيق الدّوليّة أيضاً كل ما يحصل من تهجير و تنكيل و أَسر للحرّيّات و إبادات يسهم في تفاقم الشّعور بفقدان الأمن والأمان، كما تكاثر غرائز العنف، فمشهد ضياع العدالة و الطّوق لتنفيذ الاهواء الفرديّة يسود أكثر فأكثر.


بالعودة إلى المشهد اللّبناني، لا بدّ من الإشارة أنّ السّياسات المعتمدة برهنت عدم كفايتها لإخراج المجتمعات من دائرة الخطر و لم تضع حدًّا للخوف و الفوضى. فأين تكمن المشكلة، في النّظام أم في الشّعب؟ منطقيًّا يمكننا القول أنّ المشكلة في الإثنين معاً.


ابتداءًا من السّياسات المعتمدة تربويًّا و اجتماعيًّا المنتجة للببغائيّة و التّكرار من دون فهم و قراءة الحقيقة ناهيك عن دور الترندات على مواقع التّواصل الاجتماعي الّتي احتلّت المساحة النّفسيّة وأصبحت موضوع تماثُل للشّباب اللّبناني فاستعراض الاستفزازت ولغة التّحدّي أصبحت أمر عادي و السّلاح المتفلّت "مين ما طلع عبالو بيعمل رشَق و ما حدا بيقلّو وينك"، هذه الأمثلة تعكس واقع التّفلّت من القيود و من سُلطة الدّولة.


برهنت الأحداث الأمنيّة و الاقتصاديّة كما الاجتماعيّة و النّفسيّة أنّ الدّستور اللّبناني و كلّ الاتّفاقات التّي تمّت كما السّياسة المركزيّة المعتدة لم تتوصّل لتأمين وطن يرضي أبناءه.


ألم يَحن الأوان لإعادة النّظر بكلّ ما يستند عليه التّشريع؟، حتّى إعادة النّظر بالنّظام السّياسي و الدّستور الّذي يبدو أنّه قد تعب و هرِم حاملا الشّوائب و التّناقضات بين السُّطور؟


غيرُ منكور أنّ أسباب الجرائم و الاحداث العنفيّة هي في بعض الأحيان أو في أغلبها فرديّة و ليس الهدف أن نلقِ اللَّوم على الدّولة وأحكامها إنّما حثّ المواطن ان يسأل نفسه عن المسلَّمات الّتي يخضع لها وأن يدرك أنّ كلّ الاعتبارات قابلة للجدليّة في حين أنّ الحقوق بالحدّ الأدنى الانساني ما زالت عند اللّبناني في خانة الأحلام كتأمين السّكن و التّعليم و الطّبابة و الشّيخوخة ...)


علمًا أنّه لم يتمّ العمل على تطهير الذّاكرة اللّبنانيّة من رواسب الحرب الأهليّة و غيرها من الأحداث المفجعة فقد برهنت المشاهدات العياديّة النّفسيّة أنّ اللّبناني يعاني من ذاكرة مبنَّجة و من "متلازمة التّأقلم على جميع الأحوال" وأخطر ما في الأمر أنّ النّتيجة استسلام؛فجريمة اليوم و جريمة الغد كلاهما في ذاكرة النّسيان بفعل التّأقلم.


الحلّ في إعادة النّظر كما السّعي للتّثقيف النّفس ـ سياسي عند المواطن كي يستطيع أن يلجأ للتّعريفات العلميّة عند تحديد الهويّة و الحقوق كما الواجبات.


غياب المناهج النّفسيّة عن ثقافة بناء العائلة و الانسان كما المواطن يُفقد اللّبناني ادراكَه لهويّته و انتمائه إضافة إلى ما يحقّ له من امتيازات غير أنّه قد يخسر حياته لأتفه الأسباب.


ماذا لو بدأ اللّبناني بإعادة النّظر و اللُّجوء لسياسات جديدة تمهّد بتطبيق اللّامركزّيّة الاداريّة مساهِمة باستنهاض المناطق و ضبط أمنها الثّقافي و الانساني و النّفسي عسى و علّ التّمكّن من الحدّ من الفوضى و الموت الاعتباطي.


ماذا لو بدأ اللّبناني بإعادة النّظر فأنقذ ما تبقّى من لبنان؟


*اختصاصية نفسية