آدم لامون

لماذا ترسل تركيا مرتزقة سوريين إلى الحرب في ناغورنو كاراباخ؟

2 تشرين الأول 2020

المصدر: The National Interest

02 : 01

الحرب المستعرة بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ تشتد يوماً بعد يوم مع ارتفاع في الاضرار البشرية والعسكرية وغياب أي أفق لاعادة الأمور الى الهدوء السائد سابقاً. وفيما أعلنت أرمينيا أنها مستعدة للتفاوض سلمياً بدا الموقف التركي متعنتاً مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن وقف إطلاق النار في الاقليم لن يكون ممكناً ما لم تنسحب القوات الأرمينية تماماً من المنطقة المتنازع عليها وغيرها من الأراضي الأذربيجانية، علماً أن المنطقة مسكونة من 95% من الأرمن، فيما دعا رؤساء فرنسا وروسيا والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار والحد من التعنت التركي والاذربيجاني ووقف اي استقدام لميليشيات متطرفة لمحاربة سكان الاقليم السلميين.

يبدو أن الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في جنوب القوقاز بدأ يتخذ منحىً دولياً للغاية. منذ يوم الأحد الماضي، في 27 أيلول، تبادل جيشا البلدَين إطلاق النار في إقليم "ناغورنو كاراباخ" المتنازع عليه، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص، منهم عدد من المدنيين، ويبدو أن الاضرار البشرية والعسكرية تتزايد يوماً بعد يوم بين الطرفين. وزير الدفاع الأرمني أشار الى أن الجيش الأذربيجاني بدأ يستعمل الآن مدفعية بعيدة المدى مهدداً على الدوام بتصعيد عملياته العسكرية. سارعت تركيا وروسيا إلى دعم طرفهما المفضّل في هذا الصراع، واتهمت أرمينيا الجيش التركي بإسقاط إحدى طائراتها المقاتلة وإرسال مرتزقة سوريين للقتال لصالح أذربيجان، لكن أنكر البلدان هذا الادعاء.

لعلّ القول بأنّ تركيا أرسلت سوريين للقتال في منطقة القوقاز مقلق، لكنه احتمال وارد بشدة خصوصاً مع تاريخ تركيا المتدخلة في أكثر من صراع خارج حدودها. لطالما اتكلت تركيا على عملائها للحفاظ على استقرار حدودها الجنوبية مع سوريا ولصدّ العمليات الهجومية التي يطلقها نظام الرئيس بشار الأسد وكبح طموحات "وحدات حماية الشعب" الكردية بكسب الاستقلال والحكم الذاتي. ورغم إنكار أذربيجان للتقارير التي تتكلم عن استعمال السوريين للقتال نيابةً عنها وإعلان أنقرة وباكو الذي لا يقبله منطق بأن أرمينيا هي التي جلبت "مرتزقة وإرهابيين" من الخارج، تعجّ وسائل الإعلام بأدلة تثبت التورط التركي بالملموس.



مرتزقة سوريون يتوجهون للقتال في ناغورنو كاراباخ



فقد كشفت صحيفة "ذا غارديان" مثلاً أن "شركة أمن تركية خاصة" جنّدت عدداً من الرجال السوريين من مدينة عفرين الشمالية الغربية للعمل كحراس على الحدود الأذربيجانية. شكّك بعض المراقبين بهذا الادعاء كون باكو تملك أصلاً جيشاً قوياً ومدججاً بالأسلحة. على صعيد آخر، ذكرت وكالة "رويترز" أنها تواصلت مع مقاتلَين سوريَين كانا يستعدان للتوجه من عفرين إلى أذربيجان بعد التكلم مع مسؤول في الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا. قال الرجلان إنهما تلقيا وعداً بأخذ راتب شهري قدره 1500 دولار واعترفا بأنهما اضطرا للذهاب لأن "الحياة صعبة جداً والفقر هائل" في سوريا. من الواضح أن عملية التجنيد هذه لا تزال مستمرة. وكتب الصحافي السوري حسين عكوش على تويتر أن رجلاً سورياً مات بعد سفره للقتال في أذربيجان. وتعج وسائل الاعلام الاجنبية بمقالات ومقابلات مع مرتزقة استقدموا من سورية وليبيا للمشاركة بحرب إسلامية ضد أرمينيا، وقد قابلت الـ"بي بي سي" البريطانية أكثر من عنصر على الحدود بين البلدين استقدم من سورية للقيام بالمهمة الجهادية.

لا تُعتبر الاستراتيجية المثبتة التي تقضي باستغلال رجال في سن القتال وإرسالهم إلى الحروب في مناطق صراع خارجية فكرة غريبة على الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. كانت روسيا لجأت إلى الرجال "الوطنيين" المقيمين داخل الجمهوريات السوفياتية السابقة كجزءٍ من حربها ضد أوكرانيا، ثم ضُبِطت وهي تجنّد الصرب للقتال نيابةً عنها في إقليم "دونباس" الأوكراني. وعلى مر الحرب الأهلية السورية أيضاً، طبّقت إيران استراتيجية صارمة تُعرَف باسم "القتال حتى آخر أفغاني"، حيث قدمت طهران خليطاً من الحوافز المالية والسياسية (على شكل رواتب أو تصاريح إقامة أو جنسية) إلى اللاجئين الأفغان والعمال غير الشرعيين الذين يخشون ترحيلهم إلى بلدهم الأم. نظّم الحرس الثوري الإيراني هؤلاء الرجال الأفغان لضمّهم إلى لواء "فاطميون"، ثم كرر هذا النوع من الجهود في باكستان عبر تجنيد "متطوعين" مسلمين شيعة تحت اسم لواء "زينبيون" قبل إرسال المجموعتَين للقتال لصالح الأسد في سوريا.

تحافظ تركيا على تقارب عرقي ولغوي مع "أشقائها" في أذربيجان، وقد تعهدت بتوفير دعم متواصل لباكو غداة التدريبات العسكرية المشتركة بين الطرفين في شهر آب الماضي، ما يعني أن تقدّم لها طائرات بلا طيار وتبيعها الأسلحة وتشاركها خبرتها التقنية. ونظراً إلى قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإدانة "احتلال" أرمينيا لإقليم "ناغورنو كاراباخ" واعتباره "أكبر تهديد على السلام في المنطقة"، يصبح وجود المرتزقة السوريين احتمالاً وارداً للغاية خصوصاً أنه بات موثقاً إعلامياً. تريد تركيا وأذربيجان تحقيق النصر في هذا الصراع طبعاً، لكن يتوقّع أن تمارس أنقرة ضبط النفس لأن التجاوزات المفرطة قد تدفع بالجيش الروسي إلى تصعيد الوضع بدرجة خطيرة. ومثلما أرسلت روسيا سابقاً "الرجال الخضر الصغار" إلى شرق أوكرانيا، ربما تفترض تركيا أن إرسال السوريين للقتال في "ناغورنو كاراباخ" سيسمح لها بإنكار تورطها تزامناً مع إثبات دعمها لباكو. بعد أكثر من تسع سنوات من الحرب، لا شك في أن أذربيجان ستستفيد من المقاتلين السوريين المتمرسين بالقتال، رغم ان التطورات الميدانية حتى اليوم في ساحة المعركة لا تشي بأي انتصار اذربيجاني حاسم.

يجب ألا يغفل أحد عن احتمال تحوّل الصراع الأرمني الأذربيجاني على إقليم "ناغورنو كاراباخ" إلى فرصة أخرى لتأجيج المنافسة الروسية التركية واتخاذها منحىً عنيفاً. سبق وانحاز البلدان أصلاً إلى أطراف متناحرة في الحربين الأهليتين في سوريا وليبيا ولم تتمكن الدعوات إلى وقف إطلاق النار مجدداً من إنهاء القتال في مناطق الصراع الثلاث حتى الآن. ثمة علاقة وثيقة بين روسيا وأذربيجان، لكنها تبدو باهتة مقارنةً بعلاقات موسكو مع يريفان. اليوم، يتجاوز التحالف الروسي الأرمني إطار الإرث الديني والإرث العسكري السوفياتي المشترك، والتكامل الاقتصادي عبر "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، وحس التضامن في "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" بقيادة روسيا (ميثاق دفاعي سداسي الأطراف يُعتبر نسخة من حلف الناتو في أوراسيا). حتى أن روسيا تدير قاعدة عسكرية في مدينة "غيومري" الشمالية الغربية في أرمينيا.



سوريون أرسلتهم تركيا للقتال في القوقاز



من الناحيــــة الإيجابية، يُقال إن روسيا تتابع التواصل مع جميع الأطراف المعنية في تركيا وأرمينيا وأذربيجان، ما يزيد فرص ترجيح العقل على القرارات المتسرّعة. أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في بيان له: "ندعو جميع الأفرقاء، لا سيما الدول الشريكة مثل تركيا، إلى بذل الجهود اللازمة لوقف إطلاق النار والعودة إلى تسوية سلمية لحل هذا الصراع بالوسائل السياسية والديبلوماسية". لكن لا يزال القتال مستمراً اليوم للأسف، وحتى وقف إطلاق النار لن يكون كافياً لإرساء سلام دائم.

تعود جذور الصراع القائم منذ عقود على "ناغورنو كاراباخ" إلى العام 1924، حين أنشأ المسؤولون السوفيات إقليماً ذاتي الحكم داخل أذربيجان، حيث ينتمي 95% من السكان إلى العرق الأرمني. تحوّلت الاضطرابات المتواصلة لاحقاً إلى حرب فعلية عندما حاول المجلس التشريعي في "ناغورنو كاراباخ" الانضمام إلى أرمينيا في العام 1998، وكان الإقليم قد أعلن استقلاله بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وبحلول العام 1994 لعبت روسيا دور الوساطة للاتفاق على وقف إطلاق النار، لكن لم يُعقَد هذا الاتفاق إلا بعد مقتل حوالى 30 ألف شخص وتفاقم أزمة اللاجئين. اليوم، لا تزال الدوافع الكامنة وراء الصراع عالقة: تسيطر أرمينيا حتى الآن على إقليم "ناغورنو كاراباخ" وحوالى 20% من الأرض الأذربيجانية المجاورة، وقد أنتج هذا الوضع صراعاً جامداً يحتدم من وقتٍ لآخر. نشأت "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في العام 1994 برعاية فرنسا وروسيا والولايات المتحدة لحل المواجهة القائمة، لكنّ دور الوساطة الذي لعبته لم يحقق النتائج المنشودة.


MISS 3