عماد موسى

"وزير السياحة المتنقّل" طوروس سيرانوسيان: ما كنت لأدعو فرقة "مشروع ليلى"

19 آب 2019

11 : 15

عندما تسمع باسم طوروس سيرانوسيان، تحضر في بالك مجموعة عناوين: الـ Epi club وعصره الذهبي، ستينات العزّ في كازينو لبنان ومهرجانات جبيل الدولية، ودير القلعة (بيت مري). تحضر أسماء عالمية: من داليدا إلى شارل أزنافور وميراي ماتيو وغلوريا غاينر. منتج فرد، صنع جزءاً من الذاكرة الجماعية، على مدى ستة عقود وها هو بأعوامه الثلاثة والثمانين يفكر اليوم بمشروع للسنة المقبلة. يقلب صفحات العمر ويروي لـ"نداء الوطن" بعضاً مما يختزن.

"بدأتُ في عالم الفن عندما كنت في الثانية والعشرين ولم أنقطع عن العمل أثناء الحرب اللبنانية فافتتحت بيت الفنان رسمياً العام 1987 (برعاية الرئيس أمين الجميّل)". من أهداف بيت الفنان أن يكون صلة وصل بين المتعهدين في الخارج وفناني لبنان. قبل "بيت الفنان اللبناني" كان المطربون العرب، والفنانون المصريون خصوصاً، يحتلون 70 % من العمل الفني في أنحاء العالم كله. واللبنانيون يأخذون 30% من الشغل. بعد الإفتتاح وتعريفي بالفنانين اللبنانيين وسفري إلى كل أصقاع العالم، وبفضل موهبة الفنانين يحتل اللبنانيون اليوم 70% من ساحة العمل الفني في الدول العربية والعالم بينما يحتل الفنانون العرب 30% فقط من الساحة نفسها. وما يجنيه اللبنانيون من مدخول يؤمن معيشة عائلات وموسيقيين وملحنين وشعراء واستديوهات تسجيل.

لطوروس صداقات واسعة في الأوساط الفنية العالمية والعربية ولصباح مكانة خاصة عنده. "بقيت مديراً لأعمالها على مدى ثلاثين عاماً، واعتبرها من أهم المطربات العربيات".

لا يفصل سيرانوسيان بين الصداقة والعمل. "إن تمكّنت من الاستمرار بعملي الفني لغاية اليوم فلأنني ربحت صداقة كل الفنانين اللبنانيين وأكثرية الفنانين العالميين". شارل أزنافور أين موقعه بين الأصدقاء؟ "أحضرت أزنافور إلى لبنان 6 مرات، جيلبير بيكو 5 مرات، داليدا 7 مرات، ديميس روسوس6 مرات، راي تشارلز... وكنت كلما زرت اليونان أقصد ميكيس ثيودوراكيس ( 94 عاماً) وكلما سافرت إلى باريس ألتقي بمن أحضرتهم إلى لبنان.

وعندما تطرقنا الى المهرجانات، ومهرجان بيبلوس بالتحديد، فتح طوروس النار قائلاً: "برأيي على الدولة إيقاف لجنة مهرجانات جبيل وسأشرح الأسباب". عاد إلى البدايات "في العام 1970 ذهبت إلى وزارة السياحة وقدمت طلباً لإقامة مهرجانات جبيل الدولية. وافقت الوزارة واعطتني حقاً حصرياً لعشرة أعوام. صرفتُ أكثر من نصف مليون دولار، اشتريت من إنكلترا أجهزة صوت وإنارة... أنرت القلعة والطرقات المؤدية إليها فكتب رئيس بلدية جبيل الدكتور أنطوان شامي "كان الشوك يفترش أرض قلعة جبيل فأنارها طوروس سيرانوسيان وجعل منها منارة".

واستطرد متذكراً ظروف توقف مهرجانات جبيل "في حزيران من العام 1976 أبرمت عقوداً مع فنانين عالميين. وجهت حوالى 2000 دعوة لليلة الإفتتاح التي كانت ستحييها فرقة كركلا برعاية رئيس الحكومة سليم الحص. اتصل بي قبل أسبوعين من موعد الإفتتاح رئيس أقليم جبيل الكتائبي غيث خوري وكان على خلاف مع كمال قرداحي ويخشى دائماً أن يأتي به بشير رئيساً للإقليم. قال لي: "طوروس مين سمحلك تعلن عن مهرجانات جبيل؟ وأنتَ ذهبت مع كمال قرداحي ووجهت دعوة للشيخ بيار. بدايةً أنا من يقررـ والكلام لخوري ـ إذا الشيخ بيار يستطيع أمنياً الحضور إلى قلعة جبيل أو لا، وبرفقتي أنا توجّه إليه الدعوة وليس برفقة كمال قرداحي. ثانياً إن ترخيص وزارة السياحة كان صالحاً عندما كانت هناك دولة لبنانية. في الوقت الحالي نحن الدولة اللبنانية ووزارة السياحة في مدينة جبيل. إن أردت إقامة مهرجان فعليك نيل موافقتي قبل الإعلان عنه ...".

كان كركلا يستعد للتمارين في الساعة السادسة مع 60 راقصاً وراقصة. الثالثة بعد الظهر وضعوا عبوة بزنة 100 كلغ تحت المسرح فطار بلحظة كل ما كنت أمتلك في مهرجانات جبيل. وبعد شهر قُتِل غيث خوري...

مع انتهاء الحرب، شكلوا لجنة للمهرجانات ولم يكن لدى أعضائها أي إلمام بالفن. وعندما لاحظت تدني مستوى المهرجانات اتصلت بالسيدة اللقيس، وقلت لها: "أنا ومكتبي بتصرّفك من دون أي مقابل، كي تكون مهرجانات جبيل بمستوى مهرجانات بعلبك، وبيت الدين". ردّت عليّ حرفياً: "شكراً إذا عزناك منتصل فيك". ولم يتصل بي أحد ولم توجّه إليّ أية دعوة لحضور أيّ افتتاح منذ تشكيل اللجنة.

وعما كان سيفعله لو كان رئيساً للجنة وحصل ما حصل مع "مشروع ليلى" قال سيرانوسيان: "لو كنت مسؤولاً عن مهرجانات جبيل حالياً لما كنت تعاقدت بالتأكيد مع فرقة "مشروع ليلى". لكن للفرقة هذه جمهورها وحضورها القوي خارج لبنان، خصوصاً في أوساط الشباب. ثمة أمور ينبغي التعمق فيها ومراعاة شعور الشعب. حصل معي أمرٌ مشابه. "غلطت" وكلفتني الغلطة غالياً. كان في مسرحية إسمها Hair ظلّت تُعرض لـ15 سنة في لندن من دون توقف. وبحكم وجودي هناك في العام 1974 وقّعت عقداً معهم لتقديم عشرة عروض في مهرجانات جبيل. أرسلت إليهم سلفة بـ50 ألف دولار وأعلنت عن حفلاتهم. قامت القيامة ضدي، تماماً مثل اليوم. كتب سعيد عقل في جريدة "الجريدة": "تدنّى مستوى الأخلاق عند منظّم مهرجانات جبيل فقبِل أن يستقدم أقبح مسرحية في العالم". وكان هناك "شواذ" في المسرحية حتى ان رئيس الجامعة اليسوعية علّق في حفل تخرّج للطلّاب قائلاً: "لا يجب أن تأتي هذه المسرحية إلى لبنان!". ألغيت الحفل وخسرت السلفة. لا ننكر شعبية فرقة "مشروع ليلى" والمنظمون تعاقدوا معها على أساس جمهورها العريض وليس لرفع إسم مهرجانات جبيل عالياً أي لأنها تحقق لهم مدخولاً عالياً. لو علموا بحصول اعتراض شعبي لما تعاقدوا معها أساساً".

"مَن الأفضل برأيك اليوم في تنظيم مهرجانات بطابعٍ دولي؟" يردّ بلا تردد: "المهرجانات الأولى في لبنان هي مهرجانات بيت الدين".

نسأله: "كاظم من نجوم مهرجانات بيت الدين وقيل إنه سيتوقّف عن الغناء لفترةٍ غير محددة.علاقتك به جيدة. لو كنت مديراً لأعماله، هل تتفهم خياره أو تنصحه بالاستمرار"؟

يردّ: "أنصحه بالاستمرار وسأروي لك قصة عن كاظم لتعرف كم هو كبير و"خواجة" ولن تصدّق! لمدة 15 سنة كنت مسؤولاً فنياً لـ"سبورتينغ كلوب" التابع لكازينو "مونت كارلو"، وأختار من المطربين العرب من هم بمستوى الغناء بهذا المكان. في الـ2006 تعاقدت مع كاظم الساهر للغناء هناك، فبيعت البطاقات كلها قبل ثلاثة أشهر. قبل الحفل بأسبوع سافرت وعائلتي إلى أسبانيا في إجازة، وتوجهت قبل 24 ساعة من موعد الحفل إلى "مونت كارلو" كي أكون في استقبال كاظم فور وصوله، وقد حجزت له ولفرقته 17 بطاقة سفر عبر مطار الأردن. اتصلت بي سكرتيرتي من بيروت قائلةً: "طوروس اخترب بيتنا!".

أبلغتني تلقيها اتصالاً من مدير أعمال كاظم فحواه أنّ الأخير اتخذ قراراً بعدم الغناء في أيّ بلد في العالم طالما إسرائيل تقصف لبنان. إتصلت بمدير أعماله في الأردن فشرح لي: "طوروس نحن جاهزون للسفر غداً. والفرقة حضرت من بغداد لكن كاظم اتخذ قراره". كان الأخير في ضيافة الوليد بن طلال في شرم الشيخ آنذاك. إتصلت به قائلاً: "أود أن أشكرك باسمي وباسم كلّ الشعب اللبناني ففيما تضرب إسرائيل لبنان هناك كثير من الفنانين اللبنانيين يغنون خارج البلد ولم يلغوا حفلاتهم. لكن يا كاظم إن ألغيت حفلاً في القاهرة فأهل مصر ممن اشتروا بطاقات لك يعودون إلى بيوتهم، وإن ألغيت حفلاً في المغرب الأمر مماثل، لكن من اشتروا بطاقات وأتوا لحضورك من كلّ أنحاء أوروبا، ماذا ستكون ردّة فعلهم إن حضروا ووجدوا ألا حفل لك ؟ أمامك خياران إما أن تقول لي الآن: "أنا آت إلى مونت كارلو، أو أستقل أول طائرة وأحضر إلى شرم الشيخ وأنتحر أمامك". برحمة أمي وأبي هذا ما حصل. فكان جوابه "بما إنّي مش طالع عنّك (لا أريد خسارتك) سأحضر. وبعد ساعة يبلغك مدير أعمالي بموعد وصولنا... وقدّم الوليد بن طلال لكاظم طائرة خاصة أوصلته وأعادته إلى شرم الشيخ آنذاك.

لطوروس ألقاب كثيرة: "أمبراطور السهر"، "الإنتحاري"، ولكن أحبها الى قلبه: "وزير سياحة متنقل" والملفت أنه لا يهوى الحفلات والعروض: "أحضر حفلةً فقط عندما أكون منظّمها". وسيرانوسيان الفخور بلبنانيته بقدر افتخاره بأرمنيته لا يجيد اللغة الأرمنية. ويعدّ طوروس الوالد اليوم وحيده ليوناردو (22 سنة) ليكمل "مسيرته الفنية" لاحقاً، وفي المكتب العريق يتعرّف الابن على أسرار المهنة وتصح بـ "ليو" الآن صفة "منتج متمرّن".


MISS 3