تجمّدت الصورة، صمت الصوت، سقط القلم، ورحلت هدى شديد متمِّمةً واجباتها المهنيّة. في بلدنا وفي شرقنا عموماً، حيث الشعوب عاطفية، الموت ممحاة، خصوصاً حين لا تموت "موتة ربّك". فرحيل المرء مستشهداً، أو مغدوراً، أو بعد معاناة، أو بأيّ طريقة أخرى قبل بلوغ الشيخوخة، وهي المرحلة المنطقيّة للموت، كافٍ لتصير "مغفورة لك خطاياك". لكن مع هدى الأمر مختلف.
صحيح أنّ معاناتها مع المرض الخبيث جعلت كلّ من عرفها شخصياً، وافتراضياً عبر الصحيفة أو الإذاعة أو الشاشة، يتعاطف مع ألمها ومقاومتها ورغبتها في الشفاء والحياة. لكن ما جعل رحيلها يأخذ البعد العاطفي الجماعي الذي شهدناه، والذي نادراً ما يحظى به صحافي أو إعلامي، هو تلك المهنية التي عملت بها هدى شديد زهاء ثلاثة عقود في المؤسسات الإعلامية والصحافية التي تنقّلت بينها.
صحيح أنّ المهنيّة في الصحافة والإعلام لم تعد المعيار الأساس في مجالنا لأسباب لا مجال الآن لشرحها، تماماً كالموضوعية التي يدرّسها أساتذة كليات الإعلام لطلابهم ثمّ لا يعود هؤلاء يسمعون عنها أو يمارسونها متى دخلوا حقل العمل، لكنّ هدى خلافاً لكثيرين من بنات وأبناء مهنتها بقيت متمّسكة وملتزمة بالعمل المهني المحترف في تقاريرها وحواراتها.
كانت صوت الناس حيث ينبغي، وصوت الطرف الغائب خلال محاورة الطرف الحاضر، والسريعة في إيراد المعلومة دون تسرّع، والدمثة في التعامل مع الزميلات والزملاء إلى أيّ مؤسسة أو جيل انتموا، والمحافِظة على العلاقة المهنيّة والإنسانية بينها وبين من واكبتهم أو عرفتهم من السياسيين، من دون أن تحارب بسيوفهم.
لكلّ تلك الأسباب كان رحيل هدى شديد محتضَناً من الناس ورفاق المهنة، وكان إجماع أظهر أنّ الجمهور قادر على التمييز جيّداً جدّاً بين الغث والسمين. فليكن التقدير والمحبّة اللذين غمرا زميلتنا هدى شديد في وداعها، درساً لكلّ من حمل قلماً، أو وقف أمام كاميرا، أو جلس خلف ميكروفون.