الدكتور دريد بشرّاوي

أربع سنوات من المماطلة

التحقيق في جناية تفجير المرفأ... بين الواقع والمرتجى

الكلّ بانتظار الحقيقة

تعتبر جريمة تفجير مرفأ بيروت التي هزّت الضمير العالمي من أبشع وأخطر الجرائم ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وانما في العالم بأسره، وتشكّل من دون أدنى شك جناية ضد الإنسانية وفقا للتعريف المنصوص عليه بأحكام المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.


• التقصير في تحديد المسؤوليات الجنائية، وفي وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب



أربع سنوات مرت من دون أن تكشف السلطات القضائية اللبنانية حقيقة هذه الجريمة، ومن دون أن تحقّق العدالة لذوي الضحايا فيما كانت تقضي وعود السلطات السياسية الكاذبة بأن تنجلي الحقائق خلال خمسة أيام، أربع سنوات مرت واستقالت العدالة خلالها من مهامها وتقاعست تارة بفعل التجاذبات السياسية، وتارة أخرى بفعل الترهيب والتهديد الذي خضع له بعض القضاة خوفا... ولم تستيقظ ضمائر قضاة العدل بعد رغم نحيب الأمهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهن، ولم تبادر السلطات اللبنانية خلال هذه الفترة الطويلة الى السؤال عن احتياجات أهالي الضحايا أو الى التخفيف من آلامهم، أو الى الإجابة على أسئلتهم، ولا الى التعويض عما أصابهم من ضرر مادي أو معنوي أو الى طمأنتهم على سلامتهم، أو الى صون ومراعاة كرامتهم الانسانية.


طبعا لا يمكننا إطلاق الأحكام العشوائية على تحقيقات يفترض بها أن تكون سرية، ولكن لا بد من أن نشير الى أنه كان يجب، أولا وأساسا في قضية بهذه الخطورة، على السلطة القضائية المختصة بالتحقيق، أن تأخذ في الاعتبار الناحية الجنائية قبل التطرق إلى موضوع الإهمال والتقصير، من دون أن يعني ذلك أن المسائل التقصيرية لا ترتّب أية مسؤوليات جزائية، اذ كان من الضروري أن تحدد التحقيقات هوية الجهة أو الجهات، والشخص أو الأشخاص الذين أدخلوا عمدا مادة النيترات إلى مرفأ بيروت والذين سهّلوا إدخالها بفعل مادي ايجابي أو بفعل عدم القيام قصدا بما يتوجب عليهم قانونا لمنع إدخالها. كما كان يترتّب على التحقيقات أن تحدّد هوية الذين نفذوا عملية التفجير وهؤلاء الذين كانوا على علم بهذه العملية الإجرامية وبأهدافها الحقيقية، وأن تعيّن المسؤوليات الجنائية وتكشف الغاية الأساسية من وراء إدخال هذه المواد وتخزينها في العنبر رقم 12.



• تعطيل التحقيقات بفعل المليشيا والمافيا السياسية


ان المافيا السياسية التي حكمت لبنان في ظل حماية المليشيا المسلحة، كانت تعمل ولا تزال كل ما في بوسعها على تعطيل هذه التحقيقات التي جُمّدت منذ حوالي أكثر من سنتين، وطمس حقائق هذه الجريمة، وضرب هيبة القضاء الذي انقسم على ذاته الى شُعب وفصائل قضائية، مما شكّل سابقة خطيرة لم تحصل من قبل في تاريخ الجمهورية اللبنانية تدل على مدى تفكك القضاء اللبناني واهترائه ، لاسيما وان بعض القضاة كانوا يعملون جهارا ومباشرة بإمرة واشراف مليشيا مسلحة تحكم لبنان وشعبه وتسيّر المافيا السياسية فيه وأجهزة الدولة القضائية والأمنية وفقا لمصالحها واجندتها السياسية. وما كان يزيد في الأمر خطورة ان هذه المليشيا كانت تستعمل بعض القضاة والأجهزة الأمنية التابعين لها أداة للقمع السياسي ولإسكات أهالي ضحايا التفجير الاجرامي الذي أودى بأبنائهم، وتمارس ضدهم كل اشكال التوقيفات التعسفية المنافية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بحماية حقوق الانسان. أضف الى ذلك أن المافيا السياسية برعاية الميليشيا حاولت طمس الحقيقة المرة واخفائها عن اللبنانيين والاستمرار في تدعيم أسس الإفلات من العقاب في هذه القضية كما حصل سابقا في العديد من الاغتيالات المبرمجة لشهداء ثورة الأرز.



• أخطاء مرتكبة في إدارة التحقيقات وتقاعس عن ملاحقة المجرمين الحقيقيين



وبغض النظر عن كل طلبات وإجراءات الرد والتنحي ونقل الدعوى التي سيقت ضد قاضي التحقيق العدلي الواضع يده على هذه القضية بهدف شل نشاطاته التحقيقية، وعن وكل العقبات المختلقة والقرارات والإجراءات الأخرى غير القانونية التي اتخذها المدعي العام التمييزي السابق غسان عويدات بعد تنحيه كمدع عام للتمييز عن ملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت والتي أدت الى إطلاق سراح الموقوفين في هذا الملف، ومنها على الأخص ادعاء المدعي العام المذكور على قاضي التحقيق العدلي بجرم " انتحال صفة محقق عدلي"، وقرار وقف تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق وزير الاشغال العامة والنقل السابق يوسف فينيانوس، وقرار استعادة مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة ضد النائب علي خليل، هناك خلل ظاهر يعتري مسألة الادعاءات والتوقيفات في هذه القضية. فمن الواضح هنا أن الغموض يلف مسألة تحديد المعيار الذي على أساسه قرر المحقق العدلي الادعاء على هذا المسؤول وليس على ذاك، لاسيما وأن قائمة الادعاءات لم تراع ظاهرا اي معيار موضوعي ومتوازي لتوزيع المسؤوليات، كما أنها لم تراع مبدأ مساواة المشتبه بهم والمقصرين أمام القانون.


كان يفترض بالمسار القضائي التحقيقي أن ينطلق من نقطة دخول الباخرة " روسوس" الى مرفأ بيروت محملة بالنيترات القابل للتفجير، لينتهي عند حصول التفجير، وأن يتم بذلك الاستماع، ولو حتى بصفة شاهد، لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون لتحديد اما مسؤوليته التقصيرية، واما مسؤوليته الجنائية، واما عدم مسؤوليته في هذه القضية، لاسيما وأنه اعترف صراحة وعلنا بأنه كان على علم بموضوع تخزين النيترات في مرفأ بيروت ولم يبادر الى اتخاذ أي اجراء لمنع وقوع الكارثة. كما كان يفترض أيضا الاستماع الى كل رؤساء الحكومات والوزراء السابقين والمديرين العامين المختصين الذين مارسوا مهامهم منذ دخول الباخرة المذكورة الى مرفأ بيروت. فلماذا لم يتم اذن الاستماع الى إفادات هؤلاء المسؤولين؟ يضاف الى ذلك ان الادعاء على قائد الجيش السابق ومدير المخابرات السابق، كان يجب ان يترافق معه أيضا الادعاء على كل المسؤولين الأمنيين ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين كانوا يمارسون مهاما عسكرية وأمنية وحتى إدارية ابان دخول الباخرة " روسوس" وبعد هذا التاريخ.


هناك أيضا تقاعس قضائي واضح في اكمال التحقيقات الجنائية والادعاء على كل من هو متورط في هذه الجريمة وإصدار القرارات القضائية المتوجبة، وتاليا في احقاق الحق. فمهما كانت الصعوبات جمة، كان يتوجب على قاضي التحقيق العدلي إصدار القرارات اللازمة، والادعاء على كل من ساهم إيجابا أم سلبا في ارتكاب هذه الجريمة، وتوقيف من يجب توقيفه، والعمل على عدم اقتصار لائحة الادعاء على عدد من المسؤولين انتقائيا دون الادعاء على أشخاص آخرين متورطين. فقاضي التحقيق العدلي بمجرد أن يضع يده على ملف تحقيقي ما بصورة موضوعية بادعاء المدعي العام التمييزي، يقع على عاتقه موجب القيام بالتحقيقات والاستجوابات والتوقيفات التي يقتضيها ملف القضية والاستماع الى كافة الشهود وإصدار القرارات المتوجبة عملا بأحكام المادتين 360 و362 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، على أن يختم هذه التحقيقات، ويصدر اما قرارا اتهاميا يحيل بموجبه المدعى عليه على المجلس العدلي واما قرارا بمنع المحاكمة عملا بأحكام المادة 364 من القانون ذاته. وبما أن قاضي التحقيق العدلي كان قد أصرّ على صلاحيته ولم يرفع يده عن الدعوى بناء على دراسة قانونية معللة اعتبرت "أن المادة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لم تنص صراحة على إمكانية رد المحقق العدلي او تنحيته، وان هذا القانون نصّ على ردّ أعضاء في المجلس العدلي ولا وجود لأي نص قانوني يتحدث عن ردّ المحقق العدلي، ما يعني عدم جواز ردّه، وبالتالي لا قيمة لدعاوى الردّ المقدمة ضد المحقق العدلي"، وبغض النظر عن مدى صحة وصواب هذا الرأي القانوني، وبما أن المحقق العدلي استأنف قرار المدعي العام التمييزي السابق وأصر على صلاحياته، كان عليه بناء على هذا الموقف أن يستكمل ادعاءاته وتحقيقاته وان يصدر القرارات اللازمة وعلى الأخص القرار الاتهامي، اذ أن الشكوى التي رفعها المدعي العام التمييزي عويدات في وجهه لم تكن تحول قانونا دون استكماله لهذه التحقيقات، لاسيما وأن القرار الذي اتخذه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله والمرتكز على أسباب موجبة محقة وقانونية والذي طلب بموجبه من المدعي العام التمييزي السابق تصحيح الادعاء على المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت، ترك الباب مشرّعا أمام هذا المحقق الذي يعود له وحده فقط حق اتخاذ القرار الذي يرتئيه مناسبا لإكمال تحقيقاته ولإصدار القرارات القانونية المتوجبة.


ولهذا كان ينبغي استكمال التحقيقات وإصدار القرار الاتهامي منذ زمن طويل من دون الأخذ في الاعتبار العقبات والتعقيدات الإجرائية المفتعلة والتي لم تؤد الى أي نتيجة قانونية. أما وأن المحقق العدلي لم يفعل، ولم تبادر الهيئة العامة لمحكمة التمييز الى إيجاد حل قانوني لمسألة طلبات الرد والتنحي المعقدة والمفتعلة عن سابق تصور وتصميم بهدف عرقلة التحقيقات، فيمكن اعتبار فعل التمنّع عن استكمال التحقيقات والادعاءات وعن إصدار القرار الاتهامي استنكافا عن ملاحقة المتهمين وعن مكافحة الإفلات من العقاب. كما يجوز تاليا وصف فعل تمنّع قضاة الهيئة العامة لمحكمة التمييز وحتى قضاة المجلس الأعلى للقضاء عن إيجاد حل سريع لمسألة تشابك الصلاحيات وطلبات الرد والتنحي المفتعلة عمدا، بالفعل السلبي الذي يؤلف جرم الاستنكاف عن احقاق الحق وفقا لأحكام المادة 741من قانون أصول المحاكمات المدنية.



الحلول المتوفرة: متابعة التحقيق والا الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو اللجوء الى الصلاحية العالمية



أما وقد أزيلت العقبات المشار اليها أعلاه بعد أن أبطل النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار قرار سلفه القاضي غسان عويدات الذي كان يقضي بإيقاف أي تعاون مع المحقق العدلي وبعد أن قرر هذا الأخير حديثا استكمال استجواب بعض المدّعى عليهم، يقتضي على المحقق العدلي إكمال تحقيقاته، والادعاء على كل من هو متورط في هذه الجناية الخطيرة مهما علا شأنه، وإصدار قراره الاتهامي على أسرع وجه ممكن.


وفي حال لم يقم المحقق العدلي بمهامه كما يجب لا سمح الله ولم يّدع على من يقتضي الادعاء عليهم طمسا للحقائق ولم يصدر قراره الاتهامي خلال مدة معقولة، فلا بد والحالة هذه من القيام بتحركات وبنشاطات على الصعيد الدولي لاسيما لدى الأمين العام للأمم المتحدة من أجل الحث على اتخاذ قرار بتأليف لجنة تقصي حقائق دولية تعمل على تحديد المسؤوليات وتقترح إحالة هذه الجريمة الخطيرة التي تؤلف جناية ضد الإنسانية، اما على محكمة دولية خاصة واما على المحكمة الجنائية الدولية بعد موافقة السلطات اللبنانية على قبول صلاحية هذه المحكمة وفقا لأحكام المادة 12 من اتفاقية روما (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).



• جناية ضد الإنسانية يمكن احالتها على المحكمة الجنائية الدولية



تعتبر جريمة تفجير مرفأ بيروت جناية ضد الإنسانية وفقا لأحكام المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعليه فأنها تحمل صفة الجناية الدولية، اذ أن كل عناصرها التأسيسية تعتبر متوفرة في هذه القضية لاسيما وأنها ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة معينة من السكان المدنيين. والاجتهاد الدولي يجمع، لهذه الناحية، على تطبيق هذا الوصف الجنائي وان لم يكن الفعل المرتكب في اطار الهجوم الممنهج والواسع النطاق فعلا لا يتوخى النتيجة الجرمية المتحققة، معتبرا أن الفاعل أو الشريك أو المتدخل أو المخطط أو المحرّض كان يتوقع أو كان بوسعه أن يتوقع النتيجة الجرمية أي التفجير وان تخزين هذه المواد الضخمة في مكان مأهول قد يؤدي الى تفجير ضخم وإلى قتل عدد كبير من الأشخاص غير المستهدفين أساسا، ما يعني انه كان بإمكانه توقع قتل وجرح وتهجير المدنيين المستهدفين والدمار اللاحق بممتلكاتهم ومنازلهم، لكنه أراد قبول هذه المخاطرة عن علم ومعرفة تامتين ( Tadic,Blaskic, Akayesu, § 523) .


وعلى هذا الأساس، وبغض النظر عن مسألة الحصانات القضائية التي يحاول بعض المدعى عليهم الدفع بها ومسألة القضاء الاستثنائي، فان كل من كان على علم بإدخال هذه المادة أو اشترك في إدخالها أو سهل هذه العملية بطريقة من الطرق أو لم يقم باتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضعها على عاتقه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء يعتبر شريكا أو متدخلا في هذه الجناية التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مهما علا شأنه ومهما كان موقعه الوظيفي أو السياسي، وذلك بفعل القصد الاحتمالي. ولكن، وبما أن لبنان لم يصادق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لا يمكن إلزامه باختصاص هذه المحكمة الا بقرار من مجلس الأمن يقضي بإحالة هذا الوضع الجنائي على المحكمة الجنائية الدولية باعتبار التفجير وما نتج عنه يهددان الأمن والسلم الدوليين عملا بأحكام المادة 39 من شرعة الأمم المتحدة، مما يشكّل أمرا صعبا لا بل مستحيلا نظرا لإمكان استعمال حق النقض الفيتو لأسباب بحت سياسية ومنفعية من قبل بعض الدول الدائمة العضوية. غير ان المادة 12 /3 لمن اتفاقية روما، تنص على أنه يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا قبلت احدى الدول غير المصادقة باختصاص المحكمة بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، على أن توافق هذه الدولة أن تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث. ويجب على هذه الدولة، في هذه الحالة، أن تتعاون مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء.


وينتج من ذلك أنه وان لم يكن لبنان طرفا في اتفاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، يمكن للحكومة اللبنانية رضائيا، كما فعلت دولة أوكرانيا، قبول اختصاص هذه المحكمة فيما خص فقط جريمة تفجير مرفأ بيروت، ما يوجب عليها في هذه الحالة التعاون مع المحكمة دون أي تلكؤ أو تأخير أو مماطلة. غير أنه يبدو أن فرضية القبول بقضاء المحكمة الجنائية الدولية قد تكون مستحيلة بحكم الانقسامات السياسية القائمة واستمرار هيمنة الدويلة على مفاصل الدولة ومؤسساتها.


- تفعيل الصلاحية العالمية

في حال لم يتمكّن المحقق العدلي من إصدار قراره الاتهامي أو في حال كان هذا القرار مبهما أو يشكّل طمسا للحقائق ولهوية المسؤولين الحقيقيين، وإذا تمنّعت الحكومة اللبنانية عن إحالة القضية على المحكمة الجنائية الدولية، وأمام عدم وجود نية واضحة لدى الأمم المتحدة بأنشاء لجنة تقصي حقائق دولية في هذه القضية، لا يبقى لذوي الضحايا سوى طرق باب المحاكم الوطنية لبعض البلدان وخصوصا منها الأوروبية التي تطبق مبدأ الصلاحية العالمية (Compétence universelle)، وهي صلاحية تمكّن الدولة المعنية من ملاحقة ومحاكمة الجرائم الدولية الخطرة كالجنايات ضد الإنسانية وجرائم الحرب والابادة أمام محاكمها الوطنية بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو عن جنسية فاعلها أو الشريك أو المتدخل أو المحرّض، وهذا يعني أيضا انه يمكن لهذه الدولة محاكمة أي من هؤلاء حتى وان لم يكن من مواطنيها وحتى ان لم تكن الجريمة واقعة في إقليمها أو حتى مرتكبة ضد أحد رعاياها. وهذا ما هو معمول به، على سبيل المثال، في القانون الفرنسي بموجب احكام المادة 689 من قانون صول المحاكمات الجزائية. ويمكن أن تُمنح هذه الولاية القضائية إلى الدول بموجب الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية عام 1984 بشأن أعمال التعذيب، أو بموجب القانون الدولي العرفي، الذي على أساسه تمت محاكمة أيخمان أمام المحاكم الإسرائيلية بجرائم تعذيب وابادة. والدليل على ذلك أيضا قضية الجنرال بينوشيه الذي تم توقيفه في بريطانيا بناء على مذكرة توقيف أصدرها قاض اسباني بجرائم إبادة وضد الإنسانية. يضاف الى ذلك أن هذا الاختصاص العالمي يطبق في معظم الدول الأوروبية وخصوصا منها المصادقة على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، لا سيما في بلجيكا وفرنسا واسبانيا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها.


- على المحقق العدلي استكمال تحقيقاته بجدية وموضوعية وأصدر قراره الاتهامي في أسرع وقت ممكن.

وعلى الرغم من كل هذه العقبات، ما زلنا، كما العديد من اللبنانيين، نعوّل ونراهن على إرادة وضمير المحقق العدلي الواضع يده على هذا الملف، متمنين أن يتابع القيام بواجباته ومهماته في هذه القضية الإنسانية التي توجب عليه إكمال تحقيقاته وإصدار قراره الاتهامي في أسرع ممكن.



فرحمة بمعاناة وآلام ذوي الضحايا، وصونا للعدالة وحسن سيرها، فليكمل قاضي التحقيق العدلي تحقيقاته التي بدأها، وليصدر قراره الاتهامي، شاء من شاء وأبى من أبى، لتظهر بذلك الحقائق أمام الرأي العام اللبناني بكل شفافية وموضوعية، ولتأخذ العدالة مجراها وفقا لما أُعلن عنه في خطاب القسم وفي البيان الوزاري. وليطعن من يطعن بصحة هذا القرار الاتهامي أمام المجلس العدلي وهو المرجع القضائي الأعلى والصالح الذي يمكنه تصحيح الأخطاء المرتكبة وابطال الإجراءات المعيوبة. 



(*) أستاذ القانون الدولي الجزائي في جامعة ستراسبورغ- فرنسا

مستشار في المحكمة الجنائية الدولية- لاهاي

محام عام أسبق في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان- لاهاي