جويل غسطين

أبعد من تعليم العزف

الموسيقى لبناء علاقات إنسانية مميّزة

لأنّ الفنّ يعكس صورة لبنان الجميلة، ولأنّ الموسيقى تغذّي الروح وتنقّي العقل، تأسّست "الجمعيّة اللبنانيّة لنشر الموسيقى الأوركستراليّة" (LeBam) عام 2008، بمبادرة من النائب السّابق غسّان مخيبر، وبالتعاون مع الراحلَينْ الدكتور وليد غلميّة والصحافي غسّان تويني. الجمعيّة، إلى تعليم الطلاب الهواة الموسيقى، تهدف بشكلٍ أساسيّ إلى جعلها مادّة إلزاميّة ومجانيّة في جميع المدارس اللّبنانية، إيماناً بدورها في تطوير الإبداع وصقل المواهب الشّابّة.


بدأت "LeBam" مسيرتها بعددٍ متواضع من الطلّاب الشّغوفين بتعلّم الموسيقى، لم يتجاوز الأربعين، لكن هذا العدد ازداد تدريجيّاً وبشكلٍ ملحوظ، حتى تخطّى 400 متعلّم، موزّعين على أربعة فروع. والأهمّ أنّ تعليم العزف على الآلات الهوائيّة والإيقاعيّة للراغبين، هو بأسعارٍ رمزيّة أو شبه مجانيّة. في العام 2019 توقّفت الجمعيّة عن نشاطها لأسبابٍ عدّة، أبرزها جائحة "كورونا"، "ثورة 17 تشرين"، والأزمة الاقتصاديّة الّتي أثّرت على التّمويل الماليّ. لكنها استأنفت نشاطها عام 2022 لفريق العازفين المتقدّمين، ومؤخّراً أعادت افتتاح قسم التّعليم الموسيقي للمبتدئين، مقابل مبلغ رمزي يساهم المشتركون في دفعه لتغطية المصاريف. فالموسيقى، كما تؤكّد نائبة رئيس الجمعيّة مارينا مخيبر، ليست ترفاً بل ضرورة لكثيرين.



رحلة المبتدئين

تشرح مخيبر لـ "نداء الوطن" آليّة العمل مع المبتدئين، فتشير إلى أنّهم جميعاً يبدأون رحلتهم الموسيقيّة بتعلّم العزف على آلة "الفلوت"، ما يساعد في تقييم مستواهم. وبعد ثلاثة أشهر من التعلّم المكثّف، الّذي يشمل دراسة السّولفيج والمواد الموسيقيّة، يقدّم الطّلاب حفلاً موسيقيّاً بحضور الأهالي. بعدها، يتوزّعون على فرق بحيث يختصّ كل فريق بالعزف على آلة إيقاعيّة محدّدة.


الجدير بالذّكر أنّ التّركيز على الأوركسترا الهارمونيّة يعود إلى فرادة الآلات الموسيقية المستخدمة فيها وندرتها، بالإضافة إلى غيابها عن المسارح والحفلات الموسيقية في لبنان.



الانضمام مُتاح للجميع

يلتقي الرّاغبون في تعلّم العزف، سواء كانوا مبتدئين أو محترفين، كلّ يوم سبت. وتوضح مخيبر أنّ المواهب المنتسبة إلى الجمعيّة لا تتعلّم العزف بشكلٍ فرديّ، بل تعمل ضمن فرقٍ موسيقيّة تتعاون في ما بينها، ما يسهم في بناء علاقات إنسانية مميّزة وفريدةٍ، رغم اختلاف الخلفيّات السّياسيّة والدّينيّة لكلّ تلميذ. والجمعيّة تضمّ أوركسترا متكاملة من العازفين المحترفين الذين وصلوا إلى مستويات متقدّمة ويشاركون في إحياء الحفلات والمهرجانات والمناسبات.



عودة إلى بيت الدّين

بعد أكثر من ثماني سنوات من المشاركة في "مهرجانات بيت الدين"، يسعى القائمون على جمعيّة "LeBam" إلى إعادة تنشيط عمل الأوركسترا المحترفة في المهرجان هذا العام.


إن معظم حفلات الجمعيّة تُقدّمها مجاناً للجمهور، باستثناء حفلة واحدة تُنظَّم مقابل رسوم محدّدة. ومن المشاريع المقبلة عرض تُخطّط الجمعيّة لإقامته قريباً في "المتحف الوطني" ببيروت.



نشاطات لمختلف الثّقافات

في سياقٍ موازٍ، نظّمت الجمعيّة العديد من الأنشطة الموسيقيّة والفنيّة، من بينها المخيّمات الصّيفية بمشاركة أكثر من 250 منتسباً من دول عربيّة وأجنبيّة، مثل قبرص، فلسطين، الأردن، وغيرها. كما شارك في هذه المخيّمات أساتذة موسيقى من أوروبا والولايات المتحدة الأميركيّة، حيث تلقّى الطّلاب تدريباً مكثّفاً حول أساسيّات الموسيقى والعزف، ضمن برامج تعليميّة دقيقة ومتخصّصة.


ومن بين النّشاطات المميّزة التي نظّمتها "الجمعيّة اللبنانيّة لنشر الموسيقى الأوركستراليّة"، يأتي نشاط "مَشْوِة في الطّبيعة"، الذي يوفّق بين حبّ التّنزّه في الهواء الطّلق والاستمتاع بالموسيقى والعزف، حيث يجتمع الأعضاء والمنتسبون في مناطق حرجيّة خضراء مثل الباروك، عين زحلتا ومعاصر الشّوف، ويسيرون في الطّبيعة ثم يتوقّفون عند محطّات محدّدة لعزف الموسيقى، ما يخلق أجواء فريدة تمزج بين الفنّ وسحر الطّبيعة.



الموسيقى في المدارس

وبهدف نشر الموسيقى بين تلامذة المدارس، تعمل "LeBam" على وضع خطّة لإقامة دورات تدريبيّة خاصّة بأساتذة الموسيقى في المدارس الرسميّة والخاصّة، بهدف تدريبهم على تعليم منهج موحّد للموسيقى. لكن على الرغم من أهميّة المشروع في تطوير التّعليم الموسيقي، إلّا أنّه لا يزال قيد الدّراسة ولم يُنفَّذ بعد.


بكلّ تلك النشاطات، تنتقل الموسيقى من مجرّد هواية، إلى وسيلة للتّعبير وأداة للتّواصل، وجسر يجمع بين الثّقافات المختلفة. ومن خلال البرامج الموسيقيّة المتنوّعة التي تقدّمها الجمعيّة فهي تعزّز دَور الموسيقى في التّعليم والمجتمع، وتمكّن الأفراد من مختلف الفئات، رغم التّحدّيات والصّعوبات.



دمج وتمكين عبر الموسيقى


في البرامج التعليميّة الموسيقيّة التي تعتمدها "LeBam"، تدمج ذوي الإرادة الصّلبة جنباً إلى جنب مع موسيقيين محترفين، ضمن أوركسترا عُرفت باسم "Sunshine Band"، لتمكينهم من العزف على الآلات الإيقاعيّة وتقديم العروض بأسلوب احترافي، ما يُسهم في إبراز مهاراتهم وقدراتهم، ويؤكّد أنّ الموهبة والاحترافيّة لا حدود لهما.

الجمعيّة أنشأت أيضاً فريق "Lebanon Joyful Team" بهدف زيارة المرضى في المستشفيات والبيوت ودُور الرّعاية، حيث يقدّم الأعضاء مقطوعات موسيقيّة تُدخل الفرح إلى قلوب هؤلاء. إلّا أنّ هذا النّشاط توقّف بسبب نقص التّمويل اللّازم لاستمراره.