زيزي إسطفان

إعلانات الثورة: الإنقلاب الآتي من الأفكار

17 تشرين الأول 2020

02 : 00

تعديل الإمرة
في معرض تقويمه للثورة بعد حوالى شهرين على انطلاقتها، قال احد السياسيين اللبنانيين بتهكم إن الثورة لا تصنعها شركات الإعلان، والإعلانات وحدها لا تكفي لجعلها تستمر. لكن الواقع أثبت عكس ذلك وأظهرت الحملات الإعلانية المكثفة التي رافقت الثورة منذ بدايتها أهميتها في إشعال حماسة الناس وتسليط الضوء بشكل ذكي، مختصر ومؤثر على الواقع اللبناني، وأبرز مشاكله بعيداً من التنظير والخطب.




مع تقدم الأشهر وتأرجح التحركات صعوداً وهموداً كان الإعلان هو الوقود الذي يعيد إشعال الجذوة الخامدة ويذكّر الناس بمطالب الثورة. وبعيداً من التحليل المحلي، لا يزال الإعلان السياسي في العالم يثير لغطاً حول مشروعيته، فمنهم من يرى فيه بروباغندا موجهة على طريقة غوبلز النازية، تهدف الى غسل الأدمغة وأدلجتها بغية تسييرها نحو هدف تحدده السلطة، ومنهم من يجد فيه وسيلة ذكية سلسة للتواصل مع الناس، تحل محل الخطاب العشوائي الساذج غير المنظم لأهل السياسة، والذي يفشل غالباً في الوصول الى الجمهور وإقناعه.

حملات إعلانية كثيرة رافقت الثورة في لبنان أطلقتها حركات متعددة كان أبرزها مجموعة # أنا _خط _أحمر، التي انبثقت من القطاع الخاص لتشكل رأس حربة في التحركات الثورية والمطلبية. وقد ضمّ هذا التجمع عدداً من الشركات الخاصة بينها شركات إعلان عملت على وضع خبراتها وطاقاتها لمواكبة الثورة وخدمة مطالبها.

يقول السيد سامي صعب أحد قادة المجموعة وصاحب إحدى شركات الإعلان الفعالة فيها إن انطلاقة الثورة جاءت بشكل عفوي، ولكن كان لا بد من تغذيتها ومدها بالوقود الذي يبقيها مشتعلة من خلال أفكار وشعارات تصل الى الناس بسهولة. الإعلام والإعلان لعبا دورهما في مساعدة الثورة كل على طريقته، وأتت الإعلانات بشعاراتها وصورها وأنشطتها لتمدّ الناس المقتنعين أصلاً بمبادئ الثورة بجرعة من الإصرار، وتكون المصل الذي يعيد الحياة الى التحركات الشعبية كلما خف عزم الناس. لقد شكلت الحملات الإعلانية نبض الثورة فكانت حاضرة في كل مفصل من مفاصلها، للإضاءة على أمور خفية أو كشف أضاليل معينة لإبقاء الناس مصرين على مطالبهم ودعوتهم للنزول الى الشارع. لم تتعامل شركات الإعلان مع الثورة كمنتج ولا مع الناس كمستهلكين، رغم أنها استخدمت المبادئ ذاتها المستخدمة في الإعلان التجاري من حيث الشعارات الجاذبة والصور المؤثرة، بل حملت قضية الثورة وتعاونت مع كل المؤمنين بأفكارها لإحداث التغيير المطلوب والوصول الى المعركة النهائية. الثورة بلا إعلان كانت لتختفي وتذوي، فهو الذي استمر يبث فيها الإصرار والحماس من خلال منصاته المختلفة من لوحات إعلانية وحملات تلفزيونية و"ماتراكاج" على وسائل التواصل الاجتماعي، ليضخ في عروقها نبضاً شبابياً جديداً يوحي بالثقة.

من خلال هاشتاغ أو صورة أو شعار استطاعت الحملات الإعلانية أن تبقي الثورة على تواصل مع الناس، وأن تصل إليهم عبر أسلوب حيوي متحرك يجعلهم يتفاعلون أكثر مع الفكرة المطروحة. عرفت الإعلانات كيف تؤطر التحركات العفوية وهتافات الشارع وتحولها الى شعارات ترسخ في أذهان الناس الجالسين في بيوتهم. تنافس المبدعون والخلاقون في شركات الإعلان في الاتيان بأفكار جديدة تخدم الثورة وصار التنافس المهني القديم خلفهم، وتحولوا شركة واحدة بأطياف مختلفة تفكر كيف تبني بلداً. كسروا صورة النجاح الفردي النمطية ليؤسسوا لصورة نجاح جماعي أثبتت صحته الثورة.

في خضم الحملات الإعلانية المتكررة ماذا كانت الوسيلة الأفعل لإيصال الأفكار: الكلمة، الشعار، الصورة أم النشاط العملي على الأرض؟ يجيب السيد صعب ان الأحداث هي التي كانت تقرر ما يجب اعتماده من وسائط. فالصورة أحياناً تغني عن ألف كلمة فيما الشعار والهاشتاغ مطلوبين لترسيخ فكرة معينة. أما الأنشطة فلها ميزة خاصة لا سيما حين تنجح وتؤدي المطلوب منها، مثل العرض المدني ليوم الاستقلال الذي شكّل حدثاً غير مسبوق تفاعل معه الناس بقوة وحماسة.



سامي صعب



كل مناسبة حملت معها Slogan معيناً بدءاً من "كلّن يعني كلّن" الى "ما بعد بعد جهنم"، مروراً بنداءات النزول الى الأرض مثل "نازلين حتى ما نموت بانفجار جديد" ورافقت الشعارات كل قضايا الثورة وأحداث الوطن. وكلما كان إخفاق السلطة قوياً كانت الحملات أنجح والشعارات أكثر تأثيراً. شعار "كلّن يعني كلّن" لم يعرف بالضبط من أطلقه وكيف أطلق، لكنه بات رمزاً للثورة ليس بمعنى التعميم، كما يقول صعب، بل بمعنى ان الكل تحت المحاسبة. أما شعار أو هاشتاغ "أنا خط أحمر" فقد كان إشارة الى أن المواطن اللبناني كسر التبعية السياسية والمناطقية والطائفية للزعيم، الذي لم يعد هو الخط الأحمر وصار الشعب الخط الأحمر الذي يجب ان يحسب له ألف حساب.

ولكن إذا كانت للسلطة إخفاقاتها فللثورة كذلك باعتراف القيمين على إعلاناتها. فالثورة قد وصلت الى حالة من المراوحة لم تعد تفيد معها نداءات النزول الى الأرض، ومرت الحملات الإعلانية بحال ركود ولم تعد تعطي النتيجة المطلوبة منها. ولكن يؤكد صعب أن الدعوات للنزول الى الأرض ليست هي المطلوبة حالياً في ظل وجود مندسين يفسدون التظاهر، وكل تحرك لا يعطي النتيجة المرجوة منه يفضل عدم الدعوة إليه ولكن لا بد من إبقاء المحركات عاملة وحيوية، لإفهام السلطة أن الثورة حاضرة دوماً ولها رأيها في كل ما يحدث ولا يمكن تخطيها رغم كل ما تتعرض له من ضغوط.

حين انطلقت الثورة كان الشارع منقسماً الى فئتين السلطة والثوار، اليوم طرأ عنصر ثالث هو الجمهور المنهك المتعب اقتصادياً وصحياً ونفسياً القابع في بيته، قلبه على الثورة لكنه يتفرج على الاثنين لأنه لم يعد قادراً على التفاعل الحيوي. من أجل هذا الجمهور يقول صعب "لا بد من إلابتعاد عن التحركات والحملات الضائعة حتى لا يفقد الثقة بالثورة ويزيد إحباطه، والعمل على تحديد التحركات التي تعطي نتيجة". فاليوم لم يعد التصويب على السلطة هو المطلوب لأن ضرب الميت حرام، كما يقول صعب، بل العمل ولو من خلف الكواليس للتحضير للمرحلة المقبلة، التي ستشهد ولادة تحالف سياسي عريض يعمل لإحداث تغيير واضح في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى التوجه للرأي العام العالمي لإعطاء صورة افضل عن الشعب اللبناني القوي، الحيوي والقادر وحده على إحداث التغيير المطلوب.


MISS 3