د. ميشال الشماعي

الثورة مستمرّة حتماً

17 تشرين الأول 2020

02 : 00

رياض الصلح و عين المريسة ساحة الشهداء

أنت لبناني إذاً أنت حتماً ثائر. هذه هي نقطة البداية لكلّ شيء في لبنان، وهذه حقيقة كيانية منذ فجر التاريخ، ولن يستطيع أحد تبديلها أو تغييرها وِفقاً لأهوائه الأيديولوجية أو تحالفاته المِحورية المصلحية. تحتفل الثورة بعامها الأوّل بعدما قدّمت الشهداء على مذبح الوطن لتُعيد إنهاضه. وما يعيّبونه عليها عدم قدرتها على تغيير المنظومة الحاكمة والمتحكّمة. فهل ستستعيد ديناميتها في ذكراها الأولى؟ أم أنّ الحياة السياسية ستستمرّ على ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأوّل 2019؟

يُخطئ من يظنّ أنّ الثورة اللبنانية هي ظرفية، وتموت لحظة انتهاء الظرف الذي أدّى إلى قيامها. يجب البحث عن السبب وليس عن الظرف. فالسبب حتّى هذه اللحظة ما زال موجوداً. وهذا ما يؤكّد أنّ الثورة ما زالت حيّة تُرزق. لقد جرّب الثوّار العمل وفق للقاعدة التمرّدية لأيّ حراك ثورويّ يقوم في العالم. لكن السلطة السياسية القابضة على مفاصل الدولـــة، نجحت بإجهاض ثورتهم. لذلك، على الثورة البحث عن طريقة بديلة لتستطيع الوصول عبرها إلى أهدافها.

ممّا لا شكّ فيه أنّ السبب الإجتماعي- الإقتصادي كان المحرّك الأوّل للشارع. وهذا السبب تفاقم أكثر من ذي قبل؛ وهذا ما يُثير الريبة في عدم تحرّك الشارع من جديد. لكن في ذلك محطّة منطقيّة يجب التوقّف عندها حيث إنّ الشارع لم يستطع أن يؤمّن طريق الوصول إلى الهدف الذي وضعته الثورة اللبنانية نصب عينيها، ألا وهو إسقاط المنظومة الحاكمة تحت شعار "كلّن يعني كلّن". ولعلّ هذا الشعار هو الذي يجب الإنطلاق من البحث في تصويب بوصلته، إذ إنّ التعميم هو خطيئة كبرى لا يمكن الإستمرار بها. من هنا، تبرز ضرورة صوغ شعار الثورة من جديد وفقاً لقاعدة المحاسبة التي أطلقتها في 17 تشرين 2019.

ولا تستطيع استعادة ديناميتها من خارج المؤسسات. من هنا، تبرز ضرورة العمل، بالتوازي بين الثورة والدستوريين الذين يحملون لواء الثورة البيضاء من داخل مؤسسات الدّولة، لأنّ نظرية الهدم للبناء لا تصحّ في الأوطان إلا في حال حدوث إنقلاب جذري على السلطة من قبل مجموعة تمتلك القدرة على هذا الإنقلاب، والأهمّ يجب أن تمتلك القدرة على المحاسبة، وهذا ما ليس متوفّراً للثورة اللبنانية.

لا يمكن لشيء أن يستمرّ في بلد صعقت عاصمته بـ 2750 طناً من المتفجّرات، ولا شيء يستمرّ في بلد قرّر أكثر من نصف أبنائه الثورة على حكّامهم الفاسدين. من هنا، لا بدّ لليل الظلم أن ينجلي، ولا بدّ أن تستعيد الثورة ديناميتها، لكن ما تترقّبه هو المومنتوم السياسي الملائم. لكن على الناس التي تدرك حقيقة الثورة أن تعي الشعارات التي يستخدمها بعضهم لضرب الاستبليشمنت؛ وهذا ما يجب رفضه ومحاربته. فلا يمكن لأيّ ثورة أن تهدم دولة وتعود فتبنيها من جديد وهي لم تستطع بعد أن توحّد صفوفها، أو أن تخرج بمجلس قيادي لها وهي قاصرة عن استيلاد "القائد" الذي يملك القدرة الفطرية على قيادتها إلى برّ الأمان.

الثورة موجودة في نفوس اللبنانيين جميعهم، حتّى لو حاول بعضهم التستّر عليها أو طمسها لذرائع انتمائية أيديولوجية دينية أو حتّى سياسية. وفي ذكرى انطلاقتها هذه السنة يبدو أنّها ستأخذ منحى مغايراً سيجمع بين أحرار ودستوريي المؤسّسات وكلّ الشرفاء الذين يدركون مدى أهمّية البقاء في الشارع المنتفض. لم يتغيّر أيّ شيء لتستكين أو لتنطفئ، جلّ ما انطفأ أكثر هو لبنان والدولة المهترئة فيه. لذلك كلّه، ثورة لبنان مستمرّة، وطريق الوصول إلى الهدف يجب أن تبدأ من إعادة إنتاج السلطة السياسية بإجراء انتخابات نيابية مبكرة؛ مع الإدراك المسبق بأنّ أيّ تقاعس لأيّ إنسان لبناني عن الأداء بواجبه الإنتخابي المقبل سيؤثّر سلباً. ويجب أن تضع الثورة طاقاتها كلّها لتعزيز الدولة ليس لضربها فإسقاطها، لأنّ الدولة بمؤسّساتها هي الإطار الصحيح للتغيير.

المطلوب اليوم ثورة كيانيّة بيضاء تحمي الكيان والدّولة معاً، وتحفظهما من الإنخراط بسياسة المحاور لضربهما فإسقاطهما. وذلك لن يتحقّق إلّا بالحياد الناشط على وقع بداية مفاوضات مع العدو لترسيم الحدود برّاً وبحراً. فالثورة إذاً نابعة من حتمية التاريخ الذي يخضع لقوانين صارمة طبيعية أو غيبية، وعكس هذه الحتمية هي اللاحتمية التي تؤكّد الحرّية الإنسانية. وبينهما الثورة باقية.


MISS 3