رفيق خوري

الأصعب هو الممكن: الإصلاح والكواسر

ليس في لبنان شيء سهل، باستثناء تعليق الدستور وفرض الشغور الرئاسي لأكثر من عامين، وإهمال القوانين وإغلاق البرلمان والسطو بعشرات المليارات على المال العام والخاص مع الإفلات من المحاسبة. والباقي يراوح بين الصعب والأصعب، وبعضه في باب مهمة مستحيلة. أما معظمه، فإنه يحتاج إلى قرارات وأدوار خارجية مطلوبة ومعترف بها لا فقط في «الماكرو» بل أيضاً في «الميكرو». والأدوار والقرارات الخارجية تتعطل أحياناً بالصراعات والمنافسات في انتظار ظروف وتطورات إقليمية ودولية مساعدة تنعكس على اللعبة المحلية. وأما الأصعب، فإنه ما تستطيع الأطراف المحلية وقواها السياسية والاقتصادية والمالية إنجازه من دون حاجة إلى أدوار خارجية ضاغطة، لأنه مطلب لبناني ملح ولا مهرب منه في النهاية مهما تكن الخلافات والانقسامات العمودية والأفقية طويلة.



والأمثلة أمامنا ناطقة. ملء الشغور الرئاسي بعد عامين وشهرين من الاستحقاق الدستوري بانتخاب من كان معروفاً أنه المرشح المفضل من البداية ومن موقعه في قيادة الجيش، احتاج الى «خماسية» عربية ودولية وحرب في غزة ولبنان وتحولات هائلة كسرت «الهلال الإيراني» وانتهت بإسقاط نظام الأسد. توقيع اتفاق وقف النار لتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته والصادر عن مجلس الأمن بعد حرب 2006، احتاج إلى حرب دمرت لبنان وهجّرت نحو مليون من أهله، ووجهت ضربات قاسية وشديدة إلى «حزب الله». إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل رداً على «حرب الإسناد» لغزة مربوطة بشروط أميركية وأوروبية وعربية على لبنان، وجولات ومؤتمرات وإنشاء صندوق خاص بإشراف دولي لتقديم المساعدات. وكلها بعد تنفيذ خطوة أساسية هي سحب سلاح «حزب الله».


لا فقط لأن إعادة الإعمار مسألة عبثية من دون التوصل إلى «حل مستدام»، بل أيضاً لأن عزم العهد الجديد والحكومة الجديدة على التزام أن يكون العام 2025 عام التخلص من السلاح خارج الشرعية يواجه عقبات لا يستهان بها. فلا صوت يخرج من «حزب الله» إلا ويتكرر القول إن «المقاومة الإسلامية باقية والسلاح خط أحمر».


وأقل ما يشترطه المسؤولون في «الحزب» تحت عنوان الانفتاح على الحوار حول لعبة قديمة اسمها استراتيجية دفاعية، هو أن تستعيد الدولة الأرض والأسرى وتضمن ردع إسرائيل عن أي اعتداء وتنجز إعادة الإعمار، قبل البحث في ما يُبقي على السلاح. لكن التاريخ يعلّم الجميع أن الباقي هو لبنان مهما تقلبت الظروف.


أما الأصعب، فإنه الممكن والضروري والذي لا يحتاج إلا إرادة لبنانية ولا تعرقله إرادة خارجية: رؤية مستقبلية وخطة إصلاحات جذرية متكاملة في الحقول المالية والاقتصادية والمصرفية والإدارية والاجتماعية، وبالطبع السياسية، لا مجرد مشاريع ناقصة. حتى بعدما برزت إرادة العهد والحكومة في إنجاز الخطة الشاملة وإنهاء سياسة المماطلة وتدوير الزوايا، فإن وصول الإصلاح إلى الجوهر والعمق يتعرض لهجوم الكواسر من أصحاب المصالح الفئوية والشخصية بما يعرقل الإصلاح. والكل يعرف أنه ليس بالتعيينات وحدها يحيا الإصلاح.


ففي كتاب «أحزاب مسؤولة: إنقاذ الديمقراطية من نفسها»، يقول العلماء ماكول وروزيمبلات وشابيرو إن «بعض التغييرات المسماة إصلاحات أساءت إلى نوعية الديمقراطية». أما في لبنان، فإن بعض الديمقراطية يسيء إلى نوعية الإصلاحات.



وقديماً ركّز المفكر الاستراتيجي الصيني سن تزو على أهمية «الموازنة بين كلفة الحرب وفوائدها السياسية». فكيف إذا كانت كلفة الحرب المستمرة باهظة وفوائدها السياسية قليلة ومحل نزاع؟ وكيف إذا كانت إعادة الإعمار في حاجة إلى الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين الذين يريد محاربتهم من أخذ لبنان ضد إرادته إلى حرب مدمرة؟