احتضنت "كاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي" للأرمن الكاثوليك، في وسط بيروت، حفلة موسيقية استثنائية لمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الكاتدرائية، بدعوة من رئيسة "المعهد الوطني العالي للموسيقى" المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وأحيتها "الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية" بقيادة إحدى أبرز القادة الموسيقيين على مستوى العالم المايسترو الروسية دايانا غوفمان، وبحضور كاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان وجمع من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية وجمهور الموسيقى الكلاسيكية في لبنان.
ساعة من التجلّي الموسيقي تحت عنوان "السلام والعدالة" قدمتها الأوركسترا التي حلّقت في فضاءات الإبداع والرّقي والفن الرفيع مع عازفين في قمة المهارة والاحتراف، بقيادة مبهرة لقائدة الأوركسترا.
ويُعدّ هذا الحفل الموسيقيّ المميّز، حدث لا ينسى لعشاق الموسيقى الكلاسيكية، حيث اجتمعت كل عناصر الإبداع والمتعة والجمال في اكتمالٍ لمشهدية موسيقية نادرة الحدوث، توّجها البرنامج الموسيقي الخلاب لتحفتَي تشايكوفسكي الخالدتَين "روميو وجولييت" و"السمفونية الرابعة".
في مستهل الحفل، قالت القواس: "نأتي بالموسيقى، لا كترفٍ ولا تزيين، بل كقوة شافية، قادرة أن تزيح عن أرواحنا صدأ الخوف. نأتي بها عبر "الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الوطنية"، هذا الجسد الحيّ الذي يعبر بنا فوق الجراح دون أن ينكرها، ويُحوّل الألم إلى مقطوعة حبّ خالدة".
ثم كانت كلمة مرحّبة لكاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان الذي استشهد بمقولة جلال الدين الرومي "الموسيقى هي أزيز أبواب الجنة" للدلالة على رمزية الموسيقى الروحية والإنسانية العميقة، وربطها بعنوان الأمسية "السلام والعدالة"، وما يمثله هذان الشعاران للبشرية.
وبكل ما حملت من شحنات قيادية، افتتحت غوفمان الحفل بعصاها السحرية المتوهجة، وبحركة يدَيها الممسكتَين بسلطة القيادة، وبتعبيرات جسدها النحيف المتماهية مع كل حركة ونغمة ونوتة. فكانت انحناءاتها وتعبيراتها الجسدية كجسر عبور تجتازه مقدّمة "روميو وجولييت" الشهيرة لتشايكوفسكي التي استهلّت بها الحفل.
وفي أداء جارف للأوركسترا التي تحرّكها شراسة الحركة القيادية لغوفمان، اجتاحت موسيقى السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي أنفاس الحضور وفضاء الكاتدرائية وخشوع الأروقة والأيقونات، في انعكاس عميق لنزاع الروح البشرية مع المصير الذي تتضمّنه السمفونية.
روائع الموسيقى والتأليف والقيادة والعزف اجتمعت في هذا الحفل، لتبقى أصداؤها في الروح لوقت طويل بعد نهاية الأمسية. إنها لحظات من التجلي والانخطاف، حيث كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت يستبيح النفس بجلال وهيبة، بل كانت رحلة في أقاصي المطلق.