مارتن عيد

"مبروك التزكية": فوز صامت أم فرصة ضائعة؟

تسابق عدد كبير من اللبنانيين إلى قوائم الترشيح للمجالس البلدية والاختيارية في مختلف المناطق. أما صفحات وسائل التواصل الاجتماعي فتعجّ بالأسماء والطموحات التي تحمل أملاً جديداً في تغيير وجه لبنان. هذا الحراك، بحدّ ذاته، خطوة جريئة ومبشّرة تستحقّ التشجيع، خصوصاً للمرشحين الشباب الذين يحملون أفكاراً متجدّدة ورؤية نابعة من نبض الناس وتحدّياتهم اليومية.


لكن في بعض القرى النائية، يظلّ "الفوز بالتزكية" هو الخيار الأكثر شيوعاً. فهل يمكن اعتباره فوزاً حقيقياً؟ وهل هو إشارة إلى تراجع الإرادة الشعبية أم أنه مجرّد استراحة من الصراع؟


قد يظنّ البعض أن الفوز بالتزكية هو طريق مختصر لتجنّب النزاعات والانقسامات، لكن وراء هذا الهدوء، الذي يبدو ظاهرياً، هناك غالباً شبح الجمود الذي يطول المجتمعات. التزكية ليست مجرّد فوز من دون منافسة، بل أحياناً تكون مؤشراً على غياب التغيير الحقيقي، وعدم قدرة المجتمعات على النهوض بمستقبلها. ففي الكثير من القرى، لا سيّما تلك التي عانت الإهمال أو التهجير، قد تبدو التزكية كأنها خيار من لا خيار له، كأنها استسلام للواقع.


في بعض القرى التي تواجه التحدّيات الاقتصادية والتنموية، يختار الكثيرون اللامبالاة، فهم يشعرون أن الانتخابات لن تغيّر شيئاً من واقعهم. في هذه البيئات، قد تكون التزكية مجرّد ردة فعل على الإحباط، فأمامهم قلة من الفرص والإمكانات، والحلول تبدو بعيدة المنال. لكن في الواقع، هذه الظاهرة تكشف عن ألم عميق يشعر به المواطنون الذين أصبحوا، بطريقة غير مباشرة، مستسلمين لمصيرهم.


المنافسة: أداة لإعادة الحياة للمجتمع

المنافسة الانتخابية هي أكثر من مجرّد سباق على منصب، إنها فرصة للانتعاش، وإعادة إحياء الأمل في النفوس. وفي غياب هذا التنافس، تبقى الأبواب مغلقة أمام الأفكار الجديدة والبرامج المبدعة. ومن المهمّ أن نعي أن الانتخابات ليست وسيلة لتوليد الصراعات بين أبناء القرى، فالمنافسة بحدّ ذاتها لا تخلق الشرخ ما لم يكن سبب التوتر هو الفساد أو المحسوبيات أو المصالح الضيّقة. أما في حال كانت مبنية على الاحترام والرغبة في تقديم الأفضل، فإنها تصبح فرصة لتعزيز النضج المجتمعي وتجديد الحياة العامة. وربما قد تكون المنافسة هي المفتاح الذي يعيد الروح إلى المجتمعات ويمنحها الفرصة لبداية جديدة.


من التزكية إلى التغيير

قد تخلق التزكية شعوراً بالراحة الموقتة، لكنها في النهاية تمنحنا إشارة مخفية إلى القلق الذي يعيشه المجتمع، ويترك الأحلام غير المحققة في الظلّ.

في المقابل، إن الترشّح لم يكن يوماً مجرّد طموح فردي، بل هو تحدٍ جماعي يسعى إلى تحقيق التغيير المستدام. والفرصة لتحقيق هذا التغيير لا تأتي من التزكية، بل من خلال المشاركة الحقيقية التي تعكس الإرادة في صنع مستقبل أفضل.


وبينما قد يبدو الفوز بالتزكية كما لو أنه هو الخيار الآمن، إلّا أنه في الواقع يغلق الأبواب أمام التغيير ويقيّد الآمال.


لبنان لا يحتاج إلى مزيد من الصمت، بل إلى صوتٍ يُسمع، وإلى فرصة حقيقية تُمنح لكل من يريد أن يخدم. التغيير يبدأ من حيث يتألّم الناس ويحلمون. والمجتمعات التي تتنافس بكرامة، تعيش بكرامة.


اليوم، تُطرح مشاريع قوانين لتكريس اللامركزية كوسيلة لإعادة توزيع القرار والفرص على المناطق. فهل تكون اللامركزية التي قد يقرّها المجلس النيابي هي الحلّ الحقيقي؟ وهل ستمكّن المجتمعات من رسم مستقبلها بيدها، بعيداً من الصمت والتزكية؟


الجواب لا يُمنح، بل يُصنع حين نشارك بوعي، ونختار البرامج لا الأسماء، ونضع المصلحة العامة قبل كل اعتبار... هناك يبدأ التغيير.