في عالم يتزايد فيه حضور الشاشات وتتداخل فيه الحدود بين الواقع والافتراض، يجد الأطفال أنفسهم محاطين بمصادر متنوعة للعنف، بدءاً من ألعاب الفيديو المليئة بالقتال، مروراً بمشاهد العنف المتكررة في الإعلام، ووصولاً إلى بيئات حقيقية قد تشهد على وجود الأسلحة والجرائم. هذا الواقع المقلق دفع الأخصائية النفسية تاليا مطر بشارة إلى دق ناقوس الخطر، محذرةً من أن هذا التعرض المستمر للعنف ليس مجرد تجربة عابرة، بل عامل يترك بصمات وآثاراً نفسية وعاطفية وسلوكية عميقة قد ترافق الطفل طوال حياته، مهددةً صحته النفسية، علاقاته وحتى مساره المستقبلي.
وفي هذا السياق، حذرت من الآثار النفسية والعاطفية العميقة وطويلة الأمد التي يخلفها تعرض الأطفال للعنف، سواء كان ذلك عبر الانغماس في ألعاب الفيديو ذات المحتوى العنيف، أو من خلال مشاهدة العنف المتكرر على الشاشات، أو حتى العيش في بيئات تنتشر فيها الأسلحة ومشاهد الجرائم.
وأوضحت أن هذا التعرض المستمر للعنف، سواء كان في الواقع المحيط بالطفل أو عبر العالم الافتراضي، يزرع في نفوس الصغار شعوراً دائماً بالخوف وانعدام الأمان، وهو ما يلقي بظلاله الكثيفة على صحتهم النفسية، طبيعة علاقاتهم، ومسار حياتهم المستقبلي برمته، شارحةً أنّ العيش في بيئة مشبعة بالعنف، حقيقية كانت أم افتراضية عبر الألعاب والأفلام، يعرض الأطفال لخطر المعاناة من التوتر المزمن والقلق المستمر، وقد تتطور الحالة في بعض الأحيان لتصل إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وأضافت: "قد نرى أطفالاً يتملكهم شعور طاغٍ بالخوف، بينما يطور آخرون حالة من التبلد العاطفي كآلية دفاعية لحماية أنفسهم، الأمر الذي يعيق قدرتهم على فهم مشاعرهم وتنظيمها، ويضعف ثقتهم بالآخرين وشعورهم الأساسي بالأمان".
ولفتت إلى أن مشاهد العنف أو ممارسة الألعاب العنيفة يمكن أن تسبب كوابيس ليلية وأفكاراً سلبية متكررة، وقد يشعر الطفل بالذنب. كما أشارت إلى أن ردود فعل الأطفال تتباين؛ فبعضهم قد يظهر سلوكاً عدوانياً متزايداً، بينما يميل آخرون إلى الانطواء والعزلة الاجتماعية، مؤكدةً أن "التعرض الدائم للعنف يؤثر بشكل مباشر على تطور دماغ الطفل، وخصوصاً في المناطق الحيوية المسؤولة عن تنظيم الانفعالات، اتخاذ القرارات، وعمليات التعلم". وأشارت إلى أن هذا التأثير قد يترجم إلى صعوبات واضحة في التركيز والانتباه، ضعف في الذاكرة، وتراجع في القدرة على حل المشكلات بفعالية".
ونبهت من أن الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذا المحتوى قد يتبنون آليات تأقلم غير صحية، مثل الانسحاب الاجتماعي أو السلوك العدواني، قائلةً: "في بعض الحالات، قد يجد الطفل في المخدرات أو الانخراط في أعمال عنف ملاذاً أو سلوكاً مألوفاً، لأن هذا الواقع العنيف يصبح هو "الطبيعي" في نظرته للعالم".
وشددت على أن تداعيات العنف لا تتوقف عند حدود الطفل المتأثر، بل تمتد لتنعكس على نسيج المجتمع ككل. وأوضحت أن "الأطفال الذين ينشأون في ظل هذا المناخ، سواء عبر الألعاب أو المشاهدة المستمرة للعنف، غالباً ما يواجهون صعوبات جمة في بناء مستقبل مهني وعلاقات اجتماعية صحية وناجحة"؟ وحذرت من أن هؤلاء قد يكونون أكثر عرضة للانجراف نحو دائرة العنف، مما يهدد استقرار المجتمع على المدى الطويل.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن "ألعاب الفيديو العنيفة والتعرض للعنف عبر المشاهدة ليسا مجرد ترفيه عابر، بل عاملان لهما تأثيرات بعيدة المدى على الأطفال ومستقبلهم. إذا أردنا بناء جيل جديد ينعم بالأمان والقدرة على العيش بإيجابية، فلا بد من تضافر الجهود لتوفير بيئة آمنة وداعمة لهم، أساسها التعليم السليم، الدعم النفسي المتخصص، والاستقرار الأسري والمجتمعي".