محمد البابا

روسيا تعلن وقف إطلاق نار أحادي الجانب وأوكرانيا ترفض بين المناورة والتصعيد

أعلنت روسيا عن وقف إطلاق نار أحادي الجانب لمدة 72 ساعة اعتبارًا من منتصف ليل 7 مايو وذلك افساحاً للاحتفال بمناسبة الذكرى السنوية الثمانين لانتصار الاتحاد السوفيتي على النازية.


جاء هذا الإعلان في وقت تشهد فيه الحرب تصعيدًا ميدانيًا على عدة جبهات، مع اشتداد القتال في الشرق والجنوب، وتكثف الهجمات بالطائرات المسيّرة من الجانبين.



الهدنة الروسية: مناورة أم مبادرة سلام؟

أعلن الكرملين أن القوات الروسية ستلتزم بوقف كامل لإطلاق النار من منتصف ليل الأربعاء 7 مايو حتى ليل الجمعة 9 مايو، احترامًا لـ"ذكرى وطنية مقدسة"، بحسب وصف البيان الرسمي. وأضاف المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أن "روسيا تمد يدها بالسلام، وعلى الطرف الأوكراني أن يثبت أنه يريد إنهاء المعاناة".


إلا أن هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا فقط، بل أثار أيضًا الكثير من الشكوك. فمنذ بداية الحرب، درجت موسكو على إعلان مبادرات هدنة في مناسبات رمزية (مثل عيد الميلاد الأرثوذكسي)، لكنها غالبًا ما كانت تخترقها بنفسها، وفقًا لمراقبين ميدانيين وتقارير استخبارات غربية.



ردود الفعل الدولية الأولية

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أبديا ترحيبًا حذرًا، داعين إلى مراقبة التزام روسيا الفعلي بوقف النار حيث أن المتحدث باسم الخارجية الأميركية قال إن "وقف إطلاق النار موضع ترحيب إذا كان حقيقيًا وليس مجرد محاولة لإعادة التموضع على الجبهات".


من جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أمله في أن تكون هذه المبادرة بداية لعملية خفض تصعيد، داعيًا الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات.



أوكرانيا ترفض: لا وقف لإطلاق النار مع وجود الاحتلال

في المقابل، قوبل العرض الروسي برفض قاطع من الجانب الأوكراني، حيث اعتبرته كييف محاولة دعائية وغطاء لإعادة تجميع القوات الروسية واستقدام تعزيزات. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب متلفز:


"لا نقبل بهدنة هدفها تمكين العدو من التقدم لاحقًا. لقد خدعونا سابقًا، ولن نسمح بتكرار ذلك. روسيا ليست في موقع أخلاقي لعرض السلام وهي تحتل أرضنا وتقصف مدننا".



موقف أوكرانيا من التسوية: هدنة مشروطة بخطة دولية

المواقف الأوكرانية تقول إن كييف مستعدة لوقف إطلاق النار، ولكن يجب أن يكون وقف اطلاق نار حقيقيًا ودائمًا في السماء والبحر والبر لمدة 30 يومًا على الأقل، لأن ذلك سيسمح بوضع خطة للخطوات التالية لإنهاء الحرب.


وكشف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عن أن بلاده تؤيد وقفًا طويل الأمد لإطلاق النار يمتد 30 يومًا، يجب ان يكون مشروط بخطة مدعومة من الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، تشمل نقاط رئيسية اهمها انسحابًا تدريجيًا للقوات الروسية من المناطق المحتلة، وضمانات أمنية دولية، وإرسال مراقبين أمميين لمتابعة الالتزام بوقف النار، مع بدء مفاوضات سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.


وأكد زيلينسكي أن أي تسوية يجب أن تراعي "السيادة الكاملة لأوكرانيا على أراضيها بما فيها القرم ودونباس".



روسيا تهاجم أوكرانيا بعنف

فقبل الساعات من سريان إعلان الهدنة، شنت روسيا ضربات صاروخية كثيفة استهدفت العاصمة كييف ومدينة خاركيف، وأكدت وزارة الدفاع الأوكرانية أن الدفاعات الجوية أسقطت أكثر من 25 صاروخًا كروز وعدد كبير من المسيرات، إلا أن حطام بعضها سقط فوق مناطق سكنية، ما أدى إلى مقتل 7 مدنيين بينهم طفلان، وإصابة أكثر من 30 آخرين، كما شب حريق كبير وضخم في سوق بارباشوفا في خاركيف.


الهجمات ترافقت مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الروسية، مما دفع كييف إلى اتهام موسكو بـ"استغلال المبادرة الإنسانية في أغراض عسكرية"، فعلى مدار الأسبوع الماضي، استخدمت روسيا أكثر من 1180 طائرة مسيرة هجومية و1360 صاروخ كروز و10 صواريخ باليستية من أنواع مختلفة ضد أوكرانيا.


وتعتبر كييف ان روسيا تواصل إرهابها الجوي اليومي، ولكنها في الوقت نفسه تطلب بسخرية وقف إطلاق النار في الفترة من 7 إلى 9 أيار.



الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة

أوكرانيا بدورها ردّت بسلسلة هجمات ليلية بطائرات مسيّرة استهدفت العاصمة الروسية موسكو ومطار فنوكوفو الدولي، ما تسبب بتعليق بعض الرحلات الجوية لساعات. وزارة الدفاع الروسية أعلنت إسقاط 12 مسيّرة، لكنها اعترفت بوقوع أضرار مادية في أحد مستودعات الوقود بمنطقة موسكو الكبرى.



تحركات دبلوماسية مكثفة

التحركات الدبلوماسية لم تهدأ، إذ أكد مسؤولون في واشنطن أن البيت الأبيض يعمل على بلورة إطار تفاوضي جديد، بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا، يهدف إلى التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بحلول يونيو المقبل. وتشير تقارير إلى احتمال عقد مؤتمر سلام مبدئي في سويسرا الشهر المقبل، بمشاركة دول من "مجموعة السبع" ودول نامية.


في هذا السياق، لمّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية عقد لقاء مباشر مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في حال تم التوافق على "نقاط حوار واقعية". إلا أن الكرملين شدد على أن "أي مفاوضات يجب أن تراعي المخاوف الأمنية الروسية، لا سيما المتعلقة بتوسع الناتو".



هدنة غير واقعية في الوقت الراهن

بينما تمثل مبادرة وقف إطلاق النار من قبل روسيا تحولًا تكتيكيًا مهمًا، فإن طبيعة الميدان، وغياب الثقة، وشروط كل طرف تجعل فرص نجاح هذه الهدنة محدودة جدًا. أوكرانيا تصر على استعادة أراضيها، بينما تسعى روسيا لتثبيت مكاسبها الميدانية تحت مظلة "السلام".


المعركة لا تزال مستعرة في ميادين القتال كما في أروقة الدبلوماسية، ويبدو أن الطرفين يستعدان لصيف ساخن قد يرسم ملامح مرحلة جديدة من الصراع الذي دخل عامه الرابع دون أفق واضح للحل.


وخلال زيارته لجمهورية تشكيا قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن تعزيز دفاعات أوكرانيا والضغط الدولي على روسيا هو الوسيلة الفعالة لإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن.


وأكد زيلينسكي ايضا أن أوكرانيا لا تريد حربًا طويلة، ولكن لديها حلفاء موثوقون تتوقع منهم الحصول على 3 ملايين قذيفة مدفعية في إطار المبادرة التشيكية.


كما أصدر الرئيس زيلينسكي تعليمات بتسريع تطوير الأسلحة الباليستية الأوكرانية، حيث تتمثل الأولوية القصوى في إجبار موسكو على وبالتعاون مع شركاء آخرين، وستقوم الجمهورية التشيكية بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات F-16 الأمريكية وطائرات L-39 التشيكية في قواعدها.