شكّلت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان مناسبةً لـ "حزب الله" لتعزيز دوره في الحكم المحلّي، حيث تمكّن، بالتحالف مع "حركة أمل"، من تحقيق انتصارات في المناطق الرئيسية ذات الغالبية الشيعية. وقد اعتبر "حزب الله" نتائج هذه الانتخابات تأكيداً على الدعم الشعبي الذي يحظى به، ولا سيّما في أعقاب التحدّيات الكبرى التي واجهها بسبب نتائج حرب إسناد غزّة.
وبحسب تصريحات قياداته، فإن هذه المكاسب تُقرأ كدليل على وفاء قاعدته الشعبية لـ "نهج المقاومة" وتقديرهم لـ "تضحيات الشهداء". إلا أن الأرقام لم تكن مُريحة في كل الدوائر. فقد أظهرت نتائج بعض المناطق المحسوبة عليه تقليدياً، مثل بعلبك، تراجعاً في الفوارق المُعتادة، ما طرح علامات استفهام حول مدى صلابة هذا التأييد. لكن عموماً، ينظر "حزب الله" إلى نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية على أنها دعم لسلطته المُستمرّة في المشهد السياسي اللبناني.
وبينما لا يزال "حزب الله" يتردّد في الاختيار بين الوطن و"القضية"، شكّلت هذه الانتخابات محطةً سمحت لقياداته بالاستمرار في التضليل، بعد أن بات هذا السلوك جزءاً راسخاً ضمن ممارساتهم السياسية. فإذا بهم يحاولون إعادة تأطير الاستحقاق الانتخابي، ليُحوّلوه من مُجرّد استحقاق إداري محلّي إلى مناسبة سياسية لتجديد الولاء الشعبي لِمشروعهم الأيديولوجي. فجاءت نتائج الانتخابات، وفقاً لخطابهم، بمثابة تصويت بالثقة من الناخبين الذين رأوا فيه "الركيزة" التي وقفت إلى جانبهم في زمن الأزمات والانهيار. لكن خلف هذا المشهد الذي رسمته ماكينة "حزب الله" الإعلامية، بقيت تساؤلات جوهرية من دون إجابة: هل فعلاً عبّرت نتائج الانتخابات عن قناعة راسخة، أم أنها جاءت نتيجة ديناميات أعمق تتعلق بغياب البدائل وتكرّست في حالة من الانكفاء الدفاعي؟
فجمهور "حزب الله"، الذي اختبر إخفاقات "الحزب" في إدارة الأزمات، لا يزال، رغم كل شيء، مُتمسّكاً بهويته الجماعية حتى لو كان هذا الانتماء يحمل في طيّاته إحباطات لا تُقال. هذا التداخل بين الأمن الجماعي والانتماء السياسي يجعل من الانتخابات أكثر من مُجرّد صناديق اقتراع؛ إنها مؤشرات على عمق الأزمة الوطنية، حيث تُختزل السياسة في الولاء، وتُدفن المُحاسبة خلف شعارات كبرى. إضافة إلى ما هو مُتعلّق بردود الفعل النفسية والاجتماعية إزاء نتائج حرب الإسناد والذي يُفسَّر أحياناً على أنه نوع من الدفاع عن الذات أمام شعور جماعي بالهزيمة.
خاصة وأن الارتهان السياسي لإيران يُقوّض قدرة "حزب الله" على احتواء هذه الهزيمة، ويُقلّص هامش المناورة لديه في أي مسار تفاوضي داخلي. إذ إن تسليم السلاح أو القبول بترتيب أمني جديد يتطلّبان فِكاكاً جزئياً عن القرار الإيراني، وهو ما لا يبدو مُتاحاً في ظل بقاء طهران في حالة صراع مفتوح مع واشنطن وتل أبيب. من هنا، تبدو دعوات "حزب الله" للحوار مشروطة ومحدودة المدى، ما يُفرغها من جدواها أمام شركاء الوطن الذين يُطالبون بوضوح الخيارات.
في المُحصّلة، لا تقتصر إمكانية استمرار الحرب على الفشل في إدارة الهزيمة كما هو الحال عادة، بل هي أيضاً مُرتبطة بمُستقبل "حزب الله" في لبنان الذي لا يمكن عزله عن مُستقبل العلاقة الإيرانية-الغربية، ولا عن شكل النظام الإقليمي الذي تسعى طهران لفرضه. فلبنان، كما تُظهر التجارب، يبقى ساحة لا مركز صراع، ما لم يُقرّر "حزب الله" إعادة التموضع من وكيل إقليمي إلى فاعل وطني.
لذلك، تبقى احتمالات التصعيد مع إسرائيل حاضرة، إن لم تكن راجحة. إذ في غياب الإجماع على تنفيذ القرارات الدولية تُصبح المواجهة حتميّة، لا لأنها مطلوبة، بل لأنها لا تجد من يمنعها.