د. أنطوان مسرّه

خطاب السوق: ما معنى "طائفية" و"طائفية سياسية" وماذا عن السياسة الطائفية...؟

 لا تُدرس تعابير متداولة في السوق إلا كخطاب discours. على سبيل المثال: ماذا يقول الناس عن الرشح أو أوجاع المعدة أو السرطان...؟ يندرج ذلك في دراسة الإدراكات النفسية والعوائق ووظيفة الخطاب وتأثيراته. أما المقاربة المنهجية العلمية للرشح وأوجاع المعدة والسرطان... فهي في مسار آخر! ما هو متداول هو خطاب السوق حول «الطائفية» و»الطائفية السياسية» التي تشمل أيضاً السياسة الطائفية في التنافس السياسي وتعبئة الولاءات الأولية في الصراع على السلطة! خطاب السوق منذ أجيال وما يزال له هدفان:


 أ. كرة مضرب tennis حيث يطلق سياسيون ومخادعون وكتّاب «إلغاء الطائفية»، وتقذف جهة أخرى: «العلمنة» والدولة «المدنية»، بدون توضيح لا مضامين «العلمنة» ولا مضامين «المدنية»!


 ب. تبرير وتغطية ممارسات زبائنية من قبل سياسيين مخادعين يكرّرون المقولة: طالما أن النظام طائفي، نريد حصتنا! يتم اجترار ذلك مع بركة مثقفين بدون خبرة، وأيديولوجيين في العصرنة والبناء القومي، وقانونيين ببغائيين.


***


1. ليست «الطائفية» و»الطائفية السياسية» أطراً مفهومية علمية concept, notion, catégorie juridique. إنها ترد في المادة 95 من الدستور بدون توضيح، مع تكليف «هيئة وطنية» في سبيل «اقتراح الطرق وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني». المفاهيم المنهجية العلمية، في النظرية الدستورية والحقوقية عالمياً، هي: التعددية الحقوقية، والإدارة الذاتية الحصرية، وقاعدة التمييز الإيجابي:


pluralisme juridique, autonomie personnelle, discrimination positive


هذه القواعد مطبّقة، بصيغ متعددة ومعايير وحدود، في أكثر من أربعين دولة اليوم في سياق الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية. إنها تندرج أساساً في سياق تراث عربي وإسلامي في إدارة التعددية الدينية والثقافية.


2. الدولة والقانون أولاً: لا فعالية لتشريعات، ولا لأي برامج ودراسات، في واقع حيث الدولة لا تمتلك وظائفها الأربع السيادية الموصوفة بالملكية rex, regis, roi : احتكار القوة المنظمة أي جيش واحد لا جيشان، واحتكار العلاقات الدبلوماسية انسجاما مع مقدمة الدستور: لبنان عربي الهوية والانتماء، وإدارة المال العام من خلال فرض الضرائب وجبايتها، وإدارة السياسات العامة. ولا فعالية بدون قانون يتقيّد به الناس ويطبّق في الحياة العامة.


3. بين المنهجية والمضمون: تتطلب المادة 95 من الدستور التمييز بين جانبين في الدراسة العلمية والتطبيقية، نقيضاً لنمطية ذهنية سائدة:


أ. المنهجية: ما هي المصطلحات العلمية في النظرية الدستورية العامة؟ منهجياً لا معالجة بالقطعة، بل في سياق الهيئة المتخصصة الواردة في المادة 95 وبعد استعادة الدولة كامل وظائفها الملكية تجنباً لإعادة انتاج نزاعات وسجالات اجترارية من الماضي.


 ب. مضامين الخطة الواردة في المادة 95: تتضمن الخطة جوانب دستورية، قانونية، إدارية، سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، اجتماعية، دينية، تربوية، ثقافية...


 يغيب الجانب الثقافي في خطاب السوق! إذا كان تعبير «الطائفية» يعني حصراً الأحوال الشخصية و»الطائفية السياسية» يعني حصراً التخصيص وقاعدة التمييز الإيجابي discrimination positive... فما هي الضوابط الحقوقية في ما يتعلق بالممارسة في السياسة الطائفية politique confessionnelle في العمل السياسي، أي في التنافس على السلطة واستغلال الولاءات الأولية في التعبئة السياسية mobilisation politique والهيمنة والتسلّط والزبائنية...


 4. خطاب السوق: ان التعابير المتداولة في السوق غير استنتاجية اطلاقاً ولا جدوى من دراستها دستورياً وقانونياً كما هو حاصل غالباً. انها تعيد انتاج نزاعات من الماضي وتستغل في التنافس السياسي والتعبئة النزاعية. يمكن دراستها حصراً كخطاب سياسي.


 5. ما معنى صحة التمثيل؟ أكثر السجالات السائدة حول انتخاب المجلس النيابي واحتمالية إنشاء مجلس شيوخ تتطلب التعمّق مسبقاً حول مفهوم صحة التمثيل من منظور عالمي ومقارن. إن الطعون التي تعرض عالمياً على العدالة الدستورية بشأن الانتخابات تتعلّق بمبدأ صحة التمثيل أي:


أ. الشمولية الوطنية: جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وقوى فاعلة... وبدون تلاعب gerrymandering.


ب. التعبير الصحيح عن إرادة الناخبين بدون رشوة وتزوير وضغوط...


على سبيل المثال: إذا أجرينا انتخابات ونجح بنتيجتها نائب واحد من البقاع، هل هذا صحة تمثيل؟ وإذا أجرينا انتخابات في لبنان ونجح مئة نائب أرمني من أصل 128 مقعداً، هل هذا صحة تمثيل؟


لا يعني ذلك، بالضرورة، اعتماد تخصيص أو قاعدة التمييز الايجابي، بل يعني أن صحة التمثيل مبدأ تأسيسي جوهري في العمل الانتخابي وأي قانون انتخابي. يندرج تجاهل مبدأ صحة التمثيل في سياق الأيديولوجيا أو جهل للمعايير الحقوقية أو إرادة السيطرة والهيمنة.


 6. «الطائفية» مشكلة عربية ... وصهيونية أساساً: لا تجديد ولا أصالة في أي بحث لبناني حول «الطائفية» بدون انكباب على معضلة ضمان المساواة والمشاركة وتجنّب العزل الدائم في الأنظمة العربية اليوم. بعد عهود من التحرر العربي انحرفت أنظمة عربية عن التراث العربي والإسلامي أساساً في سياقات الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية. إن المعضلة صهيونية أساساً في الترادف بين مساحة جغرافية ودين محدّد espace identitaire.


***


وضعنا دراسة تمهيدية حول بعض مضامين الخطة المقترحة في المادة 95: «المادة 95 وإنشاء هيئة وطنية: الأنظمة البرلمانية التعددية والمجال العام العابر للطوائف في لبنان»، في كتاب انطوان مسرّه، النظرية الحقوقية في الأنظمة البرلمانية التعددية (ميثاق لبنان والدستور من منظور مقارن)، بيروت، المكتبة الشرقية، 2017، 656 ص، ص 401-444.


إن المواد 9، 10، 19، 49، 65، 95 موجودة بصيغ متعددة ومعايير وحدود في أكثر من أربعين نظاماً دستورياً في عالم اليوم! التطبيق في لبنان هو غالباً الأسوأ عالمياً:


Françoise Curtit et Francis Messner, Droit des religions en France et en Europe : Recueil de textes, Bruylant, 2008, 1194 p. ; Marie-Claire Forblets et al., Cultural Diversity and the Law State Responses Around the World, Bruylant, 2010, 1008 p., ; Francis Messner, dir., Dictionnaire : Droit des religions, CNRS-Paris, 2010, 790 p.).



(*) عضو المجلس الدستوري، 2009-2019