كلير شكر

عن خيارات العهد... بين الصعبة والأصعب

21 تشرين الأول 2020

01 : 59

عون خلال استقباله المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش

كثير من الإرباك أحاط بسلوك الرئاسة الأولى ومعها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ازاء استشارات التكليف. يوم الاربعاء الماضي، انتهى اجتماع "تكتل لبنان القوي" الذي بقي بعيداً عن الاعلام إلى الاتفاق على ترك التسمية لرئاسة الحكومة في عهدة رئيس الجمهورية، كمخرج لائق يترك باباً خلفياً لأي امكانية حوار مع الرئيس المكلف.

النواب العونيون الذين ضغطوا بهذا الاتجاه مقتنعون أنّ البقاء خارج الحكومة يعني الانتقال إلى صفوف المعارضة، وهو ضرب جنون لا ينمّ إلا عن انفصام في السلوك، لا يجوز الركون إليه. بنظرهم، لا "تقريش" عملياً لهذا السيناريو طالما أنّ الجنرال ميشال عون على رأس الجمهورية. أمّا في حال العكس، فيمكن عندها خوض معركة تغيير النظام برمّته.

ولهذا تفاجأ كل نواب "التكتل" بصدور بيان التأجيل عن الرئاسة الأولى في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء. لكن الصاعقة وقعت على رؤوسهم مع قراءتهم تغريدة باسيل يعلن فيها اصراره على عدم تغيير رأيه من تسمية رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري رئيساً للحكومة.

الملفت أنّه خلال يوم الموعد المؤجل، أي يوم الخميس الماضي، حاول قصر بعبدا تطرية الأجواء مع بيت الوسط من خلال تسريبات اعلامية تخفف من وطأة قرار التأجيل، لتضعه في سياق تحصين تسمية الحريري ودعمها! إلى أن استعاد المجلس السياسي لـ"التيار الوطني الحر" المفردات التصعيدية وأعاد التأكيد أنّه لا مجال لحكومة اختصاصيين بلا رئاسة من القماشة ذاتها. في الواقع، الارباك السياسي ليس "محرّماً"، ولكن أن يكون بلا أي أفق، هو الحرام بحدّ ذاته. فقد ذهب باسيل في تصعيده إلى حدّ فرض معادلة "أنا أو الحريري"، من دون طرح أي صيغة بديلة تعالج وضعية الطائفة السنية في الحكم. فخروج رئيس "تيار المستقبل" يعني خروج طائفة برمتها. فالأخير لا يزال حتى اللحظة الممثل الأقوى لطائفته وهو يرفض تسمية من ينوب عنه. أكثر من ذلك، فرضت الأزمة المالية - الاقتصادية تحديات صعبة، جعلت من الاستحالة استبعاد أي طائفة في هذه الظروف الدقيقة.

قد تكون مخاوف العهد وباسيل من احتمال أن تطول اقامة الحريري في السراي في تجربته الثالثة في عهد ميشال عون، فيرتبط عمر حكومته العتيدة بروزنامة العهد لتتحول بعد ذلك الى "حكومة رؤساء جمهورية" أسوة بما حصل بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، في محلها. وعلى الأكيد، إنّ ممانعتهما لواقع السماح للحريري بتسجيل سابقة بوضع يده على الحصة المسيحية من الوزراء، دون سواهم من وزراء الطوائف الأخرى، بحجة رغبته في تشكيل حكومة - فريق عمل، في محلها أيضاً.

ولكن هل ما زال بامكان هذا الفريق اقناع المسيحيين بوجهة نظره؟ كيف يمكن ترويج فكرة أنّ معركة وزير بالزائد أو بالناقص هي أهم من لقمة العيش التي باتت مهددة؟ كيف يمكن اقناع الناس أنّ معارك استرداد حقوق المسيحيين لا تزال جذّابة ومنها طائل وفي محلها؟ كيف يمكن لهذه الحكومة أن تعوّض ما عجز هذا الفريق عن فعله طوال أربع سنوات؟

لا شك بأنّ هذا الفريق، أسوة بغيره من الأحزاب، يعاني من اهتزاز جسور ثقته بالجمهور، ولكن ما يزيد من ارباكه ويضيّق الخيارات أمامه، هو أن المبادرة بين يديه. فالاكتفاء بسياسة الممانعة وعرقلة التكليف أو التأليف من بعده، سيزيد من الضغط على العهد وتحميله مسؤولية الانفجار الكبير، الحاصل عاجلاً أم آجلاً. واذا ما ثُبّت موعد الاستشارات يوم الخميس المقبل، فلن يُفهم هذا الاستسلام الا بكونه ضربة معنوية لباسيل، حتى لو قرر بلع موسها، فلن يوفره الخصوم من الانتقادات.

بالنتيجة، لا يملك العهد ترف المماطلة، لا في التكليف ولا في التأليف خصوصاً وأنّ ما يتسرب من مناخ "التيار الوطني الحر" يشي بأنّ هذا الفريق سينتظر الحريري على كوع التأليف. حتى لو توزعت الخسائر جراء تعاظم الانهيار المالي، على كل القوى السياسية، فلا يمكن تجاوز واقع وجود عهد ميشال عون في الواجهة، خصوصاً وأنّه يأخذ التأجيل في صدره. وهنا أضعف نقاطه.