كان جدّي يردّد دوماً على مسمعي مثلاً لبنانياً شعبياً مفاده: "السلاح بإيد الخرا بيجرح". كنت ناعم الأظافر ولا أفهم المغذى الحقيقي لذاك المثل الزقاقي، لكنني كنت أتصور أنّه على قدر كبير من الأهمية... إلى أن جاءت الانتخابات البلدية في الشمال نهاية الأسبوع الفائت، واستذكرت ذاك المثل واستدركت معناه.
"الخرا" إنتو أكبر، هي كلمة فصيحة. موجودة في لسان العرب وتعني "كل ما يخرّ من الأعلى إلى الأسفل". وسُمي التغوّط بهذا الاسم لهبوطه نحو الأسفل دوماً (ما خلا التغوّط في الفضاء حيث انعدام الجاذبية وانتفاء قوانينها عن التطبيق). وبالتالي، على القارئ ألا يشعر بالضيم أو بالخجل من استخدام هذا المصطلح طالما أنه يهدف إلى تسمية الأمور كما هي وبأسمائها.
سقوط حرّ وانحدار أخلاقي وصل إلى حدّ القتل وأذية الناس، مارسه الكثير من الشماليين يوم الأحد من خلال إطلاق الرصاص ابتهاجاً و"خبط عشواء" للتعبير عن فرحتهم بالفوز... "وعلى شو؟". ابتهاجاً بالفوز بمنصب مختار هنا (مهنة ورثناها من العثمانيين) أو بمركز لعضو بلدي هناك في بلدية قد لا يتعدى سقف إنفاقها السنوي الـ 10 آلاف دولار.
الأجهزة الأمنية لم تتحرّك كما يجب، وكأنّها باتت مقتنعة بالفعل بأنّ هذه الظاهرة هي جزء من الثقافة اللبنانية وهي فَرِحة بهذه الحقيقة!
كانت الحُجّة التي يرفعها أغلب الناس لدى الاعتراض على إطلاق النار أو محاولة منعهم من ذلك، خلال الأفراح والأتراح: "سلاح حزب الله"، وذلك على قاعدة أن الدولة "تركت صواريخ "الحزب" وعم تلاحقني على هالبارودة وهالكم طلقة؟".
اليوم لا صواريخ لـ "حزب الله". انتهى زمن السلاح، الذي يُسلّم تباعاً وما تبقى منه سيتحوّل مع الوقت إلى خُردة.
أما الحديث عن أن كل اللبنانيين يحملون السلاح الفردي وهذا السلاح ليس حكراً على طائفة أو أحد، فتلك حجة يجب ألا تصدر على لسان أي مسؤول في الدولة طالما أننا نعترف بتحوّلنا الجدّي إلى حقبة "بسط سلطة الدولة على أراضيها". وعليه، لا بدّ من أن يكون هذا الكلام حافزاً ومنطلقاً للأجهزة الأمنية النعسانة، من أجل "الضرب بيد من حديد"، أو من تيتانيوم إذا لزم الأمر.
أمّا أولئك الذين يطلقون الرصاص عند كل مناسبة ومحطة أقول لهم: الله يصطفل فيكم يا بَجَم... ورصاص يعمي خلقتكم قادر يا كريم!