سامر زريق

على هامش الاستحقاق

لاعبون سياسيون منفردون... لكن أقوياء

وسط صراعات الأحزاب وانقسامات العائلات على نفسها في "البروفة" التحضيرية للانتخابات النيابية، برز في المرحلة الثانية من الاستحقاق البلدي لاعبون سياسيون أثبتوا قوة حضورهم رغم خوضهم غماره منفردين بلا سند "متين".


البداية من عكار، حيث تمكّن النائب وليد البعريني من تحقيق فوز في بلدية فنيدق، في مواجهة لائحة مدعومة من منسق "المستقبل" وقوى سياسية ومدنية، ومظلّلة بغطاء معنوي لمفتي المحافظة. وتزداد أهمية الفوز الذي حققه البعريني بالنظر إلى الحصار الناعم الذي يفرضه عليه "المستقبل"، وفوقه المواقف البارزة وغير التقليدية التي أطلقها في مواضيع شديدة الحساسية، بما يؤكد أنه لاعب سياسي يستند إلى قاعدة تمثيلية صلبة تتيح له المناورة في وجه محاولات إقصائه من المشهد.


والأمر عينه ينطبق على النائب جهاد الصمد في الضنية، الذي أثبت أنه لاعب سياسي رفيع المستوى، يتمتع بالقدرة الممزوجة بخبرة السنين لنسج قماشة تحالف متين يحفظ التوازنات المجتمعية والعائلية الحساسة، ويعضده في النزالات، بعدما نجح في الفوز بالانتخابات في بلدته "بخعون"، في مواجهة تحالف جمع قريبه ونائب الضنية عبد العزيز الصمد، الذي يتمتع بإمكانيات مالية هائلة، بنائبها الأسبق قاسم عبد العزيز، المنتمي إلى نفس البلدة.


أما في المنية، فإن احتفالات النائب أحمد الخير لا تحجب حقيقة أن اللائحة المدعومة من ائتلاف سياسي وعائلي عريض يضمه و"المستقبل" وميقاتي و"الجماعة الإسلامية" حصلت على أكثرية بسيطة، قوامها 12 عضواً مقابل 9 للائحة المنافسة المدعومة من النائب السابق عثمان علم الدين وعائلته، ورجل الأعمال البارز أحمد علم الدين، ورجل "حزب الله" في المنية كمال الخير، وبأرصدة تصويتية متشابكة حسمها النائب السابق كاظم الخير ليصبح الفائز الأكبر.


فرغم خوضه غمار الانتخابات منفرداً، إلا أنه أكد أنه لاعب سياسي لديه حضوره وتأثيره في منطقة لا أيديولوجيا حاكمة فيها ولا توازن صراعياً بقيم سياسية مجردة وواضحة، الأمر الذي يسهل انتقال العائلات والقوى الاجتماعية من هذا الطرف إلى ذاك بسلاسة.


خلال هذا الاستحقاق، اختبر النائب السابق كاظم الخير مدى قدرته على تحريك القواعد الناخبة عبر خطاب سياسي الطابع، يرتكز على سلاح الموقف المستقل وسط سيولة التحالفات، والإفراط في الاعتماد على الخدمات لتكون العمود الفقري لتمثيل مجتمع يتداخل فيه الطابع المديني بالريفي بسمات عائلية بارزة. فانتهج خياراً غير تقليدي يرتكز على صياغة توليفة من اللائحتين المتنافستين وفق معيار الاختصاص والكفاءة، وتعزيز منطق التعاون والانصهار ضمن آليات العمل الديمقراطي على حساب الكيدية وثقافة الاستقالة لإسقاط البلدية، لتشكل الأقلية جهة رقابية على الأكثرية تحضها على العمل.


هذا الخيار استطاع اجتذاب فئات كانت تشعر بالتهميش والنفور من المناخ الاستقطابي الحاد السائد، وأفضى إلى فوز 15 اسماً من هذه التوليفة من أصل 20، ناهيكم عن الفوز بـ 10 من أصل 15 مختاراً، بما يترك له مجالاً واسعاً للتأثير في عملية صناعة القرار، ويفتح له آفاقاً رحبة لبناء تحالفات صلبة ومتوازنة على مستوى الدائرة الانتخابية الأوسع في الاستحقاق النيابي.


بدوره خاض نائب زغرتا ميشال معوض نزالاً انتخابياً ضارياً على مستوى القضاء، متحالفاً مع "القوات"، في مواجهة ائتلاف سياسي وعائلي عريض يقوده "المرده"، يضم كبرى عائلات زغرتا بالإضافة إلى "التيار الوطني الحر"، ويوظف شبكة مترامية من المصالح المتشابكة، فنجح في الفوز بعدد من البلدات لم يضمن له رئاسة اتحاد البلديات، لكنه يتيح له إمكانية تأسيس اتحاد آخر.


اللافت أن القاسم المشترك بين جميع اللاعبين المذكورين هو الانتماء إلى بيوتات سياسية تقليدية، بيّنت الاستحقاقات الانتخابية أنها لا تزال تشكل رقماً صعباً في المعادلة، لكونها تقف على أرض صلبة، حيث تتمتع بخاصية قراءة التحولات والانسجام مع توازناتها الجديدة، وترتصف شرائح نخبوية وجماهيرية خلفها بانسيابية تفوق تلك التي تبذل قوى حديثة العهد جهوداً حثيثة لبنائها.