ريتا ابراهيم فريد

هجرة الشباب اللبناني... حلم أم كابوس؟

22 تشرين الأول 2020

02 : 00

أمام كل الأوضاع المأسوية التي نمرّ بها في لبنان، بين غياب الفرص والأحلام الضائعة والإنهيار الاقتصادي والتفلّت الأمني، يسعى قسم كبير من الشباب اللبناني الى الهجرة بحثاً عن أدنى مقوّمات العيش الكريم. وعلى الرغم من أنّ كثراً كانوا ناشطين وشاركوا في الثورة سعياً الى التغيير، إلا أنهم تركوا كل شيء وغادروا، رغم يقينهم بأنّ الحياة ليست سهلة في الخارج. في المقابل، هناك من يتمسّك بالبقاء في لبنان رغم كل شيء. حيث يعتبر أنّ ما مرّ به أهلنا خلال الحرب كان أصعب بكثير مما نمرّ به اليوم، ومع ذلك صمدوا في أرضهم.

عبد الرزاق حمّود: نحن بحاجة الى استقرار أمني واقتصادي وسياسي

بعد أن فقد عبد الرزاق حمّود عمله منذ فترة، وتبيّن أن التعويض الذي حصل عليه لم يعد له قيمة اليوم مع ارتفاع سعر صرف الدولار، كان خياره أن يغادر لبنان بحثاً عن فرصة عمل في الخارج.

عبد الرزاق الذي كان ناشطاً في انتفاضة 17 تشرين، يشدّد على أنه لم يترك الثورة رغم أنه اضطرّ مرغماً لأن يترك الساحات، لكنّه لا يزال يمارس دوره من خلال وجوده في المجموعات الثورية وخاصة من الناحية اللوجستية ومن ناحية المشاركة في صياغة المحتوى السياسي والرؤية السياسية الجامعة، ويقول: "حتى لو لم أكن متواجداً في الساحات، إنما يمكنني أن أعمل عن بُعد من أجل تجهيز الخطاب السياسي الموحّد". وهُنا يرى أنّ الثورة ليست فعلاً ينتهي مباشرة، إنما هي عمل تراكميّ ونهج يستمرّ لفترة طويلة، وخاصّة في لبنان حيث تتجذّر السلطة السياسية في مؤسّسات الدولة.





وعن الصعوبات التي واجهته في الخارج، يشير حمّود الى أنّ الوضع الاقتصادي في معظم الدول لم يعد مزدهراً كما كان في السابق، خاصة بعد الإقفال الذي سبّبته جائحة كورونا، وهذا الأمر لا يسمح بإيجاد عمل بسهولة، إضافة الى النسبة المرتفعة لعدد اللبنانيين الذي يسعون بدورهم للحصول على وظائف. من ناحية أخرى، يرى عبد الرزاق أنّه لا يمكن المقارنة بين ما يعيشه الشباب اللبناني اليوم وبين ما عاشه أهلنا في السابق، ورغم ذلك صمدوا في أرضهم، فالظروف تتبدّل والحاجات تتغيّر. ويوضح: "ما نمرّ به اليوم لا يقتصر على كونه صراعاً أو حاجة اقتصادية، فنحن بحاجة الى راحة نفسية وحرية، والى استقرار أمني واقتصادي وسياسي وبيئي. وكثرة هذه المشاكل التي نعاني منها اليوم لا يمكن مقارنتها مع أية مرحلة من المراحل التي مرّ بها الوطن".



مرسيلينو غفري: الهجرة لا تحلّ مشاكلنا لكنها تخفّف منها

غادر مرسيلينو غفري لبنان منذ فترة كي يستقرّ في دبي حيث وجد عملاً مناسباً، وشعر أنه بحاجة الى إجراء تغيير في حياته، فقبل عرض العمل فوراً. ورغم أنّه لم يكن عاطلاً عن العمل في لبنان، لكنّه وجد أنّه لن يتطوّر مهنياً إذا بقي في مكانه. إضافة الى ذلك، لفت الى أنه غادر لبنان بحثاً عن الأمان والإستقرار. وعن أهلنا الذين صمدوا في أرضهم رغم الحرب التي عايشوها، يقول مرسيلينو: «نحن جيل التسعينات مررنا أيضاً بأيام صعبة. الذهنية في السابق كانت مختلفة، وربّما كان أهلنا يفضّلون ألا يبتعدوا عن بلدهم مهما حدث. ورغم أننا اليوم لسنا في حرب سلاح ومدافع وقصف، لكننا نعيش في حرب اقتصادية ومعيشية، وهي صعبة جداً حيث نشعر أننا محرومون من أبسط حقوقنا». وإذ يرى أنّ الهجرة لا تحلّ كل المشاكل، اعتبر أنها على الأقلّ تخفّف منها.





في المقابل، أشار الى أنّ الهجرة تترافق مع صعوبات عدّة، حيث على الإنسان أن يعيش بمفرده بعيداً عن عائلته، وأن يعتمد على نفسه في حين أنه كان معتاداً على

وجود من يسانده، وتابع: «لكن شيئاً فشيئاً نعتاد على نمط العيش هنا ونتأقلم، وتصبح الحياة أسهل. ودبي وأهلها مضيافون، وبتّ أشعر أنها منزلي الثاني».

هذا وصرّح بأنّه لا يفكّر بالعودة الى لبنان في الوقت القريب، بل يحاول أن يحضر عائلته الى دبي. وقال: «يؤلمني ما يحصل في لبنان، ويحزنني أنّ تعيش عائلتي في هذه الظروف. لذلك لن أعود إلا في زيارات فقط. فحين نعتاد على نمط حياة تكون فيه الحقوق مؤمّنة، سيكون من الصعب العودة الى مكان لا حقوق فيه».



يارا الحركة: حتى الأماكن التي تعلّقنا بها لم تعد تشبهنا

غادرت الناشطة يارا الحركة الى إسبانيا منذ حوالى سنة، قبل فترة قصيرة من دخول البلاد في مرحلة الانهيار الكبير. يارا كانت من أبرز الناشطين على الأرض، وكانت تشارك حتى في أصغر التظاهرات دفاعاً عن أيّ فئة مهمشة. ورغم كل ذلك، قرّرت أن ترحل. وتقول في هذا الإطار: «عندما يهتمّ شخص ما بكلّ هذه القضايا، يقرّر أن يرحل حين يتعب من كلّ شيء. حاولتُ البحث عن فرصة لم أجدها في لبنان. نحن خسرنا الكثير، حتى الأماكن التي تعلّقنا بها تغيّرت ملامحها ولم تعد تشبهنا». وتحدّثت عن شعور بالعجز تجاه نفسها، وسألت: «وبعدين؟ كل ما فعلناه في لبنان يمكن أن يضيع في لحظة، وهذا الإحساس أتعبني كثيراً».





واعتبرت يارا أنّ الهجرة هي حلم وكابوس في الوقت نفسه. حلم لكل من يجد أنه عاجز عن تحقيق أيّ شيء، وهؤلاء هم الأغلبية، أي الطبقة ما دون الوسطى. وتابعت: «في الخارج على الأقلّ نحن موجودون ضمن نظام يمكن أن نتماهى معه، رغم أنه صعب أحياناً».

وإذ رفضت أن تنظّر على من يعيش في وضع مأسوي في بيروت وعاجز عن تحمّله، شدّدت في المقابل على أنّ الهجرة ليست حلماً وردياً كما يعتقد كثيرون، وتحدّثت عن صعوبات عدّة في بلاد الاغتراب، وخاصة في البلدان البعيدة عن لبنان. وقالت: «من الصعب على أيّ مهاجر أن ينتقل الى مرحلة ثانية وينفصل كلياً عن كل ما يتعلّق في بلاده، خاصة إذا كانت أسرته لا تزال في لبنان». وأشارت الى أنّ الحزن يصبح مضاعفاً حين يشاهد المغترب من الخارج ما يحدث في لبنان. وتابعت: «الحياة ليست سهلة هُنا. علينا أن نقوم بمجهود كبير للبحث عن فرص. وأن نسعى للاندماج بسرعة مع طبيعة البلد الجديد وأن نعتاد على قوانينه. علينا بالتالي أن نبدأ من الصفر، وهذا ليس سهلاً».

وصرّحت يارا بأنها لا تفكّر أبداً بالعودة الى لبنان، بل تسعى لإيجاد طريقة كي تأتي بعائلتها الى إسبانيا.



سيمون كرم: أرفض الهجرة وأؤيّد تهجير الأقلية التي أساءت الى البلد

من جهته، يشدّد المحامي سيمون كرم على «التمسّك بالبقاء في الوطن الأمّ الذي ولدنا ونشأنا فيه وأحببناه وارتضينا به بجماله وقباحته، بحسناته ومشاكله»، حسب قوله. ويضيف قائلاً: «وطننا جميل جداً بطبيعته وبطيبة شعبه، وكثيرون يحسدوننا عليه. وهو غنيّ بالمدارس والجامعات والمستشفيات التي تتمتّع بمستوى عالٍ جداً، وذلك يجعله منارة الشرق الأوسط. والمشكلة أنّ إدارة البلد خاطئة، وعلينا أن نخلّصه من سيطرة البعض عليه، لأنّ لبنان يتميّز بطاقة شبابية استثنائية وعلينا ألا نخسرها. وبالتالي أنا أرفض فكرة الهجرة لا بل أؤيّد أن يتمّ تهجير أو إقصاء الأقلية التي أساءت الى البلد».





من ناحية أخرى، وكونه محامياً، يستطيع كرم أن يجد بسهولة فرصة عمل في الخارج، حيث يؤمّن الإستقرار لعائلته. ورغم ذلك يؤكّد أنّ طموحه أن يعيش مع أسرته في لبنان، وأن تكون له علاقات وصداقات هُنا، وأن يتمكّن من أن يخدم مجتمعه. ويعتبر أنّه مهما فعل في الخارج سيبقى غريباً ولن يشعر بالانتماء الوطني، وأنه سيعيش فقط لكي يأكل ويشرب. هذا ويرى سيمون أنّ ما مرّ به لبنان منذ العام 1975 لم يمرّ على أيّة دولة في العالم من مختلف أنواع الحروب والكوارث والفساد والسرقة، ورغم ذلك صمد الشعب اللبناني، والقسم الأكبر منه بقي في أرضه. وهُنا يشدّد على ضرورة أن نتمثّل بأهلنا رغم كل ما نمرّ به، إلا أنه استطرد قائلاً: «لكن كي نكون منطقيين، يمكننا أن نتفهّم أن يغادر البعض من أجل مساعدة عائلته اقتصادياً، على ألا نبيع كل شيء ونرحل، لأنّ ذلك يعدّ بمثابة انتحار وتخلٍّ عن الهوية».

وعن رغبة الكثيرين في الهجرة اليوم يقول سيمون: «إذا هاجر الشباب سيشيخ البلد. فالشباب هم الضمانة، وإذا غادروا من المحتمل أن يطمع الكثيرون في بلدنا. من هُنا تقع على الشباب مسؤولية البقاء في أرضهم لحمايتها والدفاع عنها. وعلى المغتربين اللبنانيين أيضاً أن يبقوا أعينهم على لبنان وأن يفكروا في العودة الى بلدهم».


MISS 3