ماري منصف

افتُتح أمس بحضور رسمي وثقافي حاشد

"معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" أضحى مهرجاناً

بعد تأجيل وانتظار، يعود "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" في دورته السادسة والستين، حاملاً إلى العاصمة بيروت وجمهور الكتاب، جرعة مُرحَّباً بها من الثقافة والحوار والانفتاح. المعرض الذي كانت إقامته مقرّرة في كانون الأول 2024، أرجئ نتيجة الظروف التي كان يمرّ بها البلد، ليُفتتح عصر أمس الخميس برعاية رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وبحضور سياسي وثقافي وإعلاميّ وفنّي حاشد. على أن تستمرّ فعاليات المعرض وأنشطته حتى 24 أيار الجاري، في مركز "Sea Side Arena"، عند واجهة بيروت البحرية.

كان "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" دائماً من أبرز الفعاليات الثقافية السنوية في بيروت، لاستقطابه دُور نشر وكتّاباً ومثقفين وقرّاءً من لبنان والعالم العربي. ولطالما استعادت بيروت من خلاله بعضاً من زخمها وحيويّتها الثقافية المحبّبة، عائدةً إلى واجهة المشهد الثقافي العربي.


بيروت حاملة هَمّ الكتاب

تؤكد رئيسة "النادي الثقافي العربي" سلوى السنيورة بعاصيري لـ "نداء الوطن" أنّ بيروت كانت وما زالت عاصمة الثقافة والانفتاح والنهضة. وتقول إنّ "على الرّغم من الظروف والتحدّيات القاسية التي مرّ بها لبنان، وما تَولَّد عنها من تداعيات، إلا أنّ الأمل موجود وهو القوّة الخفية التي تمنحنا القدرة على الصمود، وبالتالي يفتح الآفاق على غدٍ أفضل وجديد للبنان، خصوصاً أنّ هناك مناخاً جديداً يؤكد وجود جوّ إيجابيّ وإصلاحي.


هذا المناخ كان واضحاً من خلال خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون الذي حمل في طيّاته الانتماء والعزة والسيادة والإصرار على السير قُدُماً".

وترى بعاصيري أنّ كلّ تلك المعطيات تصبّ في مصلحة لبنان أولاً. واليوم، يبدو واضحاً أنّ الجميع متعطّش كي تعود بيروت إلى العزّ الثقافي، فالثقافة تؤَنسِن العمل السياسي والاقتصادي.


وتعتبر رئيسة "النادي الثقافي العربي"، وهو الجهة المنظّمة للمعرض، أنّ بيروت لصيقة بالثقافة ولها تاريخ، وهي بمثابة المَوئل للمؤلِّف عندما كان محظوراً عليه أن يعبّر عن رأيه ومشاعره. كذلك هي موئل للناشر والموزّع والمصمّم وللمطبعة، وكلّ ما يرتبط بالكتاب. وقد أثبتت بيروت أنها تستحق أن تكون عاصمة الثقافة والتنوّع، فهي في كل محنة تثبت للعالم العربي أنها ملجأ للانفتاح وقبول الآخر.


أكثر من معرض

المعرض هذا العام متنوّع، ويركّز على مفهوم الثقافة الشاملة من خلال العديد من الأنشطة، عبر معارض متخصّصة للأطفال، وحوالى 66 ندوة تتناول المسرح، السينما، السياسة، الاقتصاد، والعروبة المعاصرة.


وبالتالي، إلى منصّات المكتبات والكتب، يضمّ المعرض فعاليّات فنّية مختصّة، منها مثلاً: معرض لملصقات السينما في لبنان، وآخر حول تاريخ معرض الكتاب منذ العام 1956 وحتى يومنا هذا، ومعرض حول مدينة طرابلس، المسمّاة "عاصمة الثقافة العربية للعام 2024". كذلك سيكون هناك معرض للفن الغرافيكي، ومعرض فنّ التصميم من إنتاج طلاب "الجامعة الأميركية في بيروت"، ومعرض حول غزّة عبر رسومات الكاريكاتور. وقد نشرت الصفحة الرسمية للمعرض في "فايسبوك" برنامج أنشطة الأطفال كاملاً، وبرنامج ومواعيد انعقاد الندوات.


الأطفال من زوّار المعرض سيكونون إذاً على موعد مع 13 نشاطاً، تتوزّع بين مسرحيَّتَين لروز وماري مطر. الأولى بعنوان "صديقتي الشجرة"، تستهدف الفئات العمرية بين 3 و 7 سنوات، والثانية بعنوان "الديك والقمحة"، للأطفال بين 6 و10 سنوات، إضافة إلى عرض للحكواتي أحمد شيبان عنوانه: "حكواتي الأطفال وينو خيفان".


عصر ما بعد الكتاب؟

وعن أهمية هذا النوع من المعارض التي تقدّم أبرز وأحدث الإصدارات لهواة القراءة، تقول الدكتورة سلوى السنيورة بعاصيري إنّ الكتاب هو ملتقى الأفكار، فهو مصدر التعرّف على الآخر والتسامح، وبالتالي يسمح الكتاب للقارئ باكتشاف وجهات نظر جديدة ومختلفة، وهذا الأمر يصبّ في مصلحة المرء.

وتتابع السنيورة أنّ الكتاب يعلّمنا التعمّق والمعرفة. ورغم أننا اليوم نعطي مواقع التواصل الاجتماعي أهميّة لأنها تقدم كمّاً هائلاً من المعلومات، ترى السنيورة أنّ هذه المواقع تقدّم المعلومة السريعة لكنّها لا تقدّم المعرفة التي تحتاج إلى تعمّق ونقد ذاتي وتحليل، فالقارئ يشعر بالانبهار مما يصله من خلال تلك المواقع، لكن من دون أن تتيح له الغوص في العمق.


دورة استثنائية

معلوم أنّ المعرض واجه تحدّيات كثيرة هذا العام، أبرزها أنّ موعده يأتي بعد تأجيل بسبب الحرب على لبنان، على أن تعود الدورة المقبلة إلى موعدها المعتاد في نهاية العام.

ويهدف المعرض، إلى تصويب قضايا عديدة وتحليلها، بمشاركة 134 دار نشر لبنانية ونحو 8 دور عربية. كما يشارك في المعرض كلّ من جمهورية مصر العربية، إلى جانب مشاركة من معرض دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى حضور فرنسي من خلال "معهد العالم العربي"، لكن في غياب أسماء بعض دور النشر النشطة على الساحة اللبنانية، لرغبتها في اقتصار مشاركتها على معرض "نقابة الناشرين" أو عدم مشاركتها في المعرضَين معاً، وأبرزها "دار نوفل (أنطوان)"، و "دار الرافدين" (بغداد/بيروت) و "منشورات الجمل".

ككلّ نشاط، يطمح المعرض للاستدامة والاستمرار، بحسب السنيورة، وللإضاءة على الفنون المرتبطة بالكتاب، منها فنون الغرافيكس. خصوصاً وأنّ هذا الفن مرتبط بشكل مباشر بالبُعد الجمالي لعرض الكتاب، وهذه النقطة ستكون جزءاً لا يتجزّأ من المعرض في السنين المقبلة، بحسب السنيورة. ويأتي "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" ليثبت أن لا خوف على اللبناني القادر بثرائه الثقافي والمعرفي، على تخطّي الصعوبات والتحديات، وأن يعيد بناء لبنان المنارة الفكرية والواحة الحضارية والتنوّع الخلاّق، مؤكّداً أنّ الثقافة لا تنكسر مهما ضاقت الأحوال وقست الظروف.