العميد المتقاعد أنطون مراد

الجلسة الثانية لمفاوضات الحدود بين لبنان وإسرائيل

هل سيكون إقناع العدو بالترسيم أسهل من إقناع الصديق؟

24 تشرين الأول 2020

02 : 00

خلاف أيضاً على الحدود البرية

ينطلق الوفد اللبناني يوم الإثنين المقبل لخوض الجولة الثانية من مفاوضات ترسيم الحدود، بعد أن تحدّدت مهمته بموجب بيانين رسميين من قِبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزف عون، وهي اعتماد الخط الذي ينطلق من النقطة B1 استناداً إلى تقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلّة.

إستند فخامة الرئيس على دراسة أعدّتها قيادة الجيش تُعطي لبنان حوالى 1300 كيلومتر مربع جنوب النقطة (23)، فقرّر تعديل المرسوم رقم 6433 وإبلاغ التعديل للأمم المتحدة، وحاول طرح المشروع على مجلس الوزراء بتاريخ 21/7/2020، لكن بعض الوزراء طلبوا تأجيله للتمكّن من دراسته وجاء بعدها انفجار مرفأ بيروت فلم يُعدّل المرسوم، إلاّ أن بياني رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش هما بقوة المرسوم، بحسب مرجع قانوني.

عوامل ساهمت باعتماد دراسة قيادة الجيش

لماذا تجاهلت السلطات اللبنانية المواقف التي كانت تنادي بحق لبنان جنوب النقطة (23)؟ ماذا تغيّر حتى وافقت على ما كان معروضاً عليها منذ تسع سنوات؟ ثلاثة عوامل ساهمت في ذلك وهي:

1 - اقتناع عضو الوفد المفاوض العقيد الركن البحري مازن بصبوص بصوابية دراسته وإصراره على إقناع رؤسائه بها.

2 - تكليف قائد الجيش لجنة من الضباط المختصين بمناقشة الدراسة وتطويرها، وعرضها على رئيس الجمهورية بعد أن أصبحت مُدعّمة تقنياً وقانونياً.

3 - اقتناع فخامة الرئيس بدراسة قيادة الجيش.



خريطة حدودية لبنانية



كيف سيخوض الوفد اللبناني معركته؟

المهمة واضحة ولكن كيف سيستطيع الوفد اللبناني فرض هذا المنطق القانوني على العدو الإسرائيلي الذي لا يحترم القوانين الدولية؟

الإثنين المقبل، ستكون المواجهة الحقيقية في معركة التفاوض حيث سيحاول كل فريق استكشاف ما هو مخبّأ في جعبة الفريق الثاني. سيذهب الوفد اللبناني متسلّحاً بملفّه المدعّم تقنياً وقانونياً وسيخوض معركته على الشكل التالي:

1- بالنسبة للانطلاق من النقطة B1: هذه النقطة مذكورة في ترسيم بوليه – نيو كومب العام 1923 بشكل وصف “The frontier leaves the méditerranéan sea at the point called Ras el Nakoura,and follows the crest of the spur to crain 1…”. كذلك في اتفاقية الهدنة عام 1949 ذُكرت عن طريق اعتماد الوصف نفسه وتحديد إحداثياتها السنتمترية. وهي النقطة الأولى في لائحة إحداثيات الخط الأزرق الرقمي.

2- بالنسبة إلى اعتماد تقنية خط الوسط: تستند هذه التقنية إلى قانون البحار، وقد استخدمها الجانب اللبناني كما استخدمها فريدريك هوف ومكتب الهيدروغرافيا البريطاني، إنما انطلق كل واحد منهم من معطيات مختلفة.

3- بالنسبة إلى عدم احتساب أي تأثير للجزر الساحلية: سيستند إلى الدراسة التي أعدّتها قيادة الجيش وإلى المادة الثالثة من المرسوم رقم 6433 التي تُجيز للبنان إعادة النظر بحدوده في حال ظهرت معطيات جديدة أكثر دقة.



خريطة لحقل كاريش الذي تُظهر الخرائط وقوعه في المياه اللبنانية



أساليب إسرائيل الاحتيالية

أما بالنسبة للوفد الإسرائيلي فهل ستكون مهمة إقناعه بالمنطق اللبناني سهلة؟ طبعاً لا، ستكون المهمة شاقة لأن العدو الإسرائيلي معروف بعدم احترامه للقوانين. لذا، سيلجأ إلى الأساليب الاحتيالية التالية:

1 - بالنسبة للانطلاق من النقطة B1: سيرفض الاعتراف بإحداثياتها بحسب مستندات الوفد اللبناني، وقد ظهرت نواياه في العام 2000 حين رفض العودة إلى حدود العام 1923 وتنكّر لوثائق اتفاقية الهدنة، وقد ساعدته الأمم المتّحدة، من خلال عدم إظهارها المستندات المودعة لديها ومنها كتاب النقاط الحدودية الذي أعدته لجنة الهدنة بحجّة أن هذا الكتاب قد تعرّض للتلف. أما بالنسبة للخط الأزرق الرقمي، فقد أعلن في العام 2006 عدم اعترافه به والاعتراف فقط بالخط الظاهر على الخريطة الورقية الذي تمثّل سماكته 50 متراً على الأرض، وللأسف لم تأخذ الأمم المتّحدة موقفاً حاسماً رغم أنها هي التي وضعت الخط الأزرق.

2 - بالنسبة إلى اعتماد تقنية خط الوسط: سيوافق على اعتمادها لا بل سيتمسك بها ولكن وفق معطياته الخاصة بهدف الدفع في اتجاه ترجيح مقترح هوف ورمي الكرة في الملعب الأميركي.

3 - بالنسبة إلى عدم احتساب أي تأثير للجزر الساحلية: سيرفض بشدّة هذا البند وسيستند إلى قانون البحار لإثبات قانونية إعطاء جزيرة تخيليت التأثير الكامل. هذا إذا سلّمنا جدلاً أنه سيعتمد النقاش القانوني ولكن تاريخ هذا العدو في المراوغة غير مشجّع، فعلى الأرجح سيرفض النقاش حول هذا البند وسيتّهم الجانب اللبناني بعدم الثبات على موقف واحد، باعتبار أنه اختار النقطة رقم (1) في العام 2007 ثم اختار النقطة رقم (23) في العام 2008 واليوم يطالب بنقطة جنوب النقطة (23). هنا سيحاول العدو الإسرائيلي إظهار لبنان بمظهر المعرقِل وإظهار نفسه بمظهر المرن والمساعد، وسيرمي الكرة في ملعب الأمم المتّحدة التي ترعى التفاوض والفريق الأميركي الذي يلعب دور الوسيط. والأرجح أن هذين الفريقين لن يلعبا دوراً إيجابياً لصالح لبنان.

في العاشر من تشرين الأول 2006 ارتكب لبنان الخطأ الفادح فوقع في فخّ الإسرائيلي لحظة وقّع على محاضر الاجتماعات حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص انطلاقاً من النقطة رقم (1)، فهل سيتمكّن الوفد اللبناني في السادس والعشرين من تشرين الأول 2020 من تصحيح هذا الخطأ؟ وهل سيتمكّن، في غضون ستة أشهر، من إقناع العدو الإسرائيلي بمنطقه الذي كلّفه عشر سنوات لإقناع السلطات اللبنانية به؟

في حال أجبر الموقف اللبناني الجديد الشركات العالمية على وقف العمل في حقل كاريش، ستكون إسرائيل مُحرَجة وستُظهِر المزيد من المرونة. أما في حال العكس فلن تكون مستعجلة وسيكون على لبنان القبول بما يتمكّن الوصول إليه في عملية التفاوض، خاصةً في ظل الأزمات التي تعصف به ومنها الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة.

في النهاية، أياً تكن النتيجة فنحن بحاجة لسلطة سياسية موحّدة وجريئة لاتخاذ القرار. المهمة وطنية بامتياز ولا تحتمل التجاذبات السياسية. حذارِ النوايا السيئة التي قد يلجأ أصحابها إلى التعاطي مع النتيجة بسلبية، والإضاءة على المساحة بين نقطة الإنطلاق في التفاوض والنقطة التي يتم التوافق عليها واعتبارها بمثابة تنازلٍ قام به الوفد اللبناني، في حين أن الصحيح هو أن هذا الوفد انطلق من نقطة جنوب النقطة (23) بهدف توسيع هامش التفاوض، ومن الخطأ الاعتقاد أن بإمكانه الحصول على كل ما يطلبه ومن غير الصحيح اعتبار التحرّك ضمن هامش التفاوض بمثابة تنازل. الصحيح هنا هو حساب المساحة بين النقطة (1) والنقطة التي سيتم التوافق عليها واعتبارها بمثابة إنجاز للوفد اللبناني المفاوض.

على القوى السياسية تذكّر أن ثمة من تسبّب بالخطأ إن لم نقل الأخطاء، وأن الوفد اللبناني يعمل على تصحيح أخطاء غيره. لذا، على هذه القوى تأمين دعم مطلق للجيش اللبناني وعدم التصويب عليه بهدف تحقيق مكاسب سياسية ضيّقة على حساب المصلحة الوطنية العليا.

* رئيس لجنة الخط الأزرق سابقاً ومكلف من قيادة الجيش متابعة ملف الحدود