د. هشام حمدان

يوم الأمم المتحدة: تحيّة وطلب

24 تشرين الأول 2020

10 : 40

بمناسبة يوم الأمم المتحدة، أود أن أوجه تحيّة من القلب إلى هذه الهيئة العالمية التي شكلت أجمل ما قدمه الشعب الأميركي للبشرية بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية. وقد تم إعادة التأكيد عليها بعد نهاية الحرب العالمية الثالثة (الحرب الباردة).

في هذا اليوم، علينا أن نتذكر الإيجابيات الرائعة التي حملتها هذه الهيئة لشعوب العالم ومنها شعب لبنان. وعلينا أن نتذكر أن شعب لبنان وقف إلى جانب الشعب الأميركي في سان فرنسيسكو عام 1945، وشارك مع شعوب 50 دولة أخرى، بتأسيس هذه الهيئة الدولية. وأكثر، فإن علينا أن نذكر أن ديباجة ميثاق الأمم المتحدة تتحدث باسم الشعوب وليس الحكومات. وقد نصت بوضوح، أننا "نحن شعوب العالم... نقرر تأسيس الأمم المتحدة ...."

نحن في لبنان نتذكر السلبيات التي حملها طغيان الدول الكبرى التي تملك ما يسمى حق الفيتو، على صناعة القرارات المصيرية الأمنية للشعوب. فهذه القرارات ونتائجها وصلت إلى كل بيت في لبنان. كل إنسان في هذا الوطن يربط بين هذه القرارات ونظرته إلى الأمم المتحدة. أما بالنسبة لما قامت به الأمم المتحدة من تطوير لنظامنا الإنساني والاقتصادي والثقافي والبيئي وووو.. فالناس لا تعرف شيئا عنه. هذا ليس ذنبها وإنما ذنب الحكومات التي لا تقوم بتوعية الشعب بشكل مناسب للحقوق، كما الواجبات، التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة، والإتفاقيات، والقرارات والتوصيات التي لا تحصى، والتي تبنتها بعد مناقشات ومفاوضات ديموقراطية لخدمته وخدمة كل شعوب العالم.

هو أيضا ذنب الإعلام الذي لا يمنح هذه الهيئة الدولية الإهتمام المتوازن. ففي حين يتابع بزخم وتفصيل، ما يصدر من قرارات من مجلس الأمن يتعلق بمصير الشعوب، ويركز على الحروب، والويلات، والنتائج الكارثية لطغيان القوى العظمى على هذه القرارات، يتغافل عن القرارات التي تتوصل إليها الهيئة الدوليّة ذاتها لخدمة مصالح الشعوب وحقوقها في الدفاع عن هذه المصالح وتحقيقها من دون الحاجة للتورط بالحروب والسلاح.

وهو أيضا ذنب المجتمع المدني الذي يفرض أنه يعكس نبض الشارع ويخدم الناس. فإذا كانت الحكومات تقوم لخدمة السياسيين، وإذا كان الإعلام هو أيضا ضحيّة النقص في المعلومات وطغيان إعلام القوى العظمى ذاتها على مصادر معلوماته، فإن هيئات المجتمع المدني غير معذورة أبدا من أن تقوم بواجبها. لكنني آسف كثيرا أن ثقافة الشخصنة الطاغية لدى المواطن في لبنان وجهله للحقائق، أضافا عاملا لا يقل سلبية عن عامل فشل الحكومات بالقيام بواجبها، والنقص في المعلومات لدى الإعلام.

ولعل أهم ما يجب أن نتذكره في هذا اليوم المجيد، هو واجب معرفة حقوقنا التي منحها إياها ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها والإتفاقيات التي لا تحصى. ولكن أيضا موجباتنا التي فرضها علينا طوعا وتوافقا، هذا الميثاق، وتلك القرارات والإتقاقيات. فالحقوق لا تتحقق من دون احترام الموجبات. ومن أخلّ بموجباته ليس من حقه أن يطالب بحقوقه. ولكنه يلجأ إلى "الواسطة" عند الدول الكبرى. والحاجة الى " الواسطة" توّلد الفساد والطغيان لهذا وذاك.

لننظر حولنا في لبنان، فإن عدم احترام مبدأ الحقوق والموجبات في القانون، أدى إلى طغيان "الواسطة". الأمر الذي أدى إلى استشراء الفساد، وبالتالي انهيار المنظومة القانونية. وهكذا أيضا في العلاقات الدوليّة، فإن جهل الشعوب لحقوقها وموجباتها أدى إلى طغيان "الواسطة والإنتماء إلى هذا الطرف الخارجي وذاك"، مما أدى إستشراء الفساد وغلبة المصالح لدى تلك الأطراف وانهيار القانون الدولي الذي وضعته أحكام ميثاق الأمم المتحده وقراراتها والاتفاقيات والتوصيات الصدارة عنها.

في هذا اليوم المجيد، أدعو وزارة التربية إلى إدخال مادة تدريس الأمم المتحدة في البرامج التربوية للمدارس في لبنان من التمهيدي وحتى الجامعة، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

في هذا اليوم المجيد، أدعو الوكالة الوطنية للأنباء التابعة لوزارة الإعلام إلى تسمية مراسلين متخصصين للتواجد دائما في مقرّات ومؤتمرات الأمم المتحدة، وإضافة أخبار ما يجري فيها في كل الميادين، إلى نشراتها اليومية.

في هذا اليوم المجيد، أدعو الدبلوماسية اللبنانية أن تعير الأمم المتحدة ما تستحقه من اهتمام في سياستها الخارجية فتقيم إدارة خاصة للأمم المتحدة وتفرض في برامجها التدريبية للدبلوماسي، الاطلاع الكافي على نظام عمل تلك الهيئة الدوليّة ومن ثم تعين دبلوماسيين وفقا لكفاءاتهم العلمية، في بعثاتنا إلى الأمم المتحدة. كما أرجو زيادة عدد العاملين الكفؤ في هذه البعثات فلا يقل مثلا، عن ستة في نيويورك وأربعة في جنيف واثنين في فيينا.

في هذا اليوم المجيد، أدعو نقابة الصحافة لإضافة موجب على كل وسيلة إعلامية بالإضاءة الكافية على الدور الإيجابي للأمم المتحدة. علينا أن نوقظ ونعزز شعور التفاؤل.

وأخيرا، أطلب من المدارس والجامعات والبلديات والروابط والجمعيات والمنظمات الأهلية المختلفة أن تتبنى برنامجا للتوعية تحت عنوان "نموذج الأمم المتحدة" يقوم على أساس تقليد الطلبة والمواطنين لدور الوفود في مناقشة قضاياها المختلفة ووضع القرارات بشأنها.


السفير د. هشام حمدان

MISS 3