القاضي أنطوان الناشف

صلاحية ردّ القانون

صلاحية رد القوانين التي تقرها السلطة التشريعية وفقاً للمادة 57 من الدستور واجتهاد المجلس الدستوري:



1 – إن صلاحية رد القوانين التي تقرها السلطة التشريعية هي من الصلاحيات التي تمنحها الدساتير للسلطة التنفيذية عامة ولرئيس الدولة بشكل خاص في النظم البرلمانية والرئاسية على حد سواء. وتكمن فلسفة هذه الصلاحية في مبدأ فصل السلطات لأن رئيس الجمهورية يجب أن يتأكد من مدى دستورية أي قانون وملاءمته للظروف السياسية والاجتماعية القائمة قبل إصدار هذا القانون.



2 - منحت المادة 57 من الدستور اللبناني رئيس الجمهورية صلاحية رد القوانين وهي من الصلاحيات القليلة التي لم تشهد أي تعديل مهم في اتفاق الطائف. وقد نصت المادة 57 صراحة على التالي: "لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه. وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً".



3 – تسمح هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية بتأجيل إصدار قانون ما ريثما يدرسه مجلس النواب ويقره في هيئته العامة مرة ثانية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فالمادة 57 تلزم مجلس النواب بأن يقر القانون المعاد بالغالبية المطلقة من أعضائه أي 65 نائباً.

إن مهلة الشهر لا تبدأ في السريان إلا بعد تصديق محضر مجلس النواب وإرسال النص الذي جرى إقراره إلى السلطة التنفيذية، علماً أن المادة 56 من الدستور تسمح لمجلس النواب باتخاذ قرار باستعجال إصدار قانون ما وفي هذه الحالة يجب على رئيس الجمهورية أن يصدر القانون أو يرده خلال مهلة خمسة أيام.



4 - إن رئيس الجمهورية عندما يرد القانون لأسباب معينة يكون ملزماً بإصدار القانون فقط إذا تم اقراره بالأكثرية المطلقة. بالمقابل، يكون بحل من إصدار القانون إذا عاد مجلس النواب وأقره بالأكثرية النسبية فقط، حتى ولو جرت الموافقة على جميع الأسباب المبينة في كتاب الرد.



5 - حدد قرار المجلس الدستوري رقم 4/2001 تاريخ 29 / 9 / 2001 في المراجعة المتعلقة بطلب إبطال القانون رقم 359 تاريخ 16 آب 2001 آلية تفسير المادة 57 من الدستور كما يلي:

أ - إن المادة 57 من الدستور قد حصرت برئيس الجمهورية منفرداً الحق، الذي لا يجوز إنكار ممارسته عليه، بأن يؤجل إصدار القانون عن طريق إعادة النظر فيه، وبأن يرفض إصداره إذا لم يصدق عليه مجلس النواب بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً.



ب - إن طلب إعادة النظر بالقانون يؤدي إلى تجميده إذ يصبح رئيس الجمهورية بحل من إصداره ريثما يعيد مجلس النواب النظر فيه ويصر عليه بأكثرية موصوفة، دون أن يفقد هذا التجميد القانون كيانه، بدليل أنه في حال انقضاء المهلة المحددة دستورياً لإصدار أي قانون أو طلب إعادة النظر فيه دون أن يبادر رئيس الجمهورية إلى أي من القرارين، يعتبر القانون نافذاً حكما وواجب النشر دون أي معاملة إضافية.



- ج - إن الصلاحية المنفردة المحفوظة لرئيس الجمهورية في المادة 57 من الدستور إنما يمارسها لأنه حامي الدستور ومصلحة البلاد العليا على ما جاء في المادة 49 من الدستور وفي قسمه المنصوص عنه في المادة 50 من الدستور، بحيث لا يجوز تقييد هذه الصلاحية أو إثقالها بغير ما ورد في متن المادة المنظمة لها من أصول ممارسة وقيود بأن يصار إلى اعتبار إصرار مجلس النواب على القانون كأنه يفوّت على النواب وعلى مجلس الوزراء التقدم باقتراح قانون أو بمشروع قانون لتتم مناقشته في المجلس خلال العقد ذاته.



د - إن مرسوم إعادة النظر بالقانون بقرار منفرد من رئيس الجمهورية لا يندرج على الإطلاق في الممارسة التشريعية ولا يطلق أي مبادرة بهذا الشأن، لأن أي قول أو رأي مناهض لذلك يخالف صراحة المادة 18 من الدستور التي حصرت المبادرة التشريعية بمجلس النواب ومجلس الوزراء دون سواهما، كما والمادة 16 من الدستور التي حصرت بمجلس النواب دون سواه سلطة التشريع فنصت بشكل حاسم على أن "تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب". بالإضافة إلى المادة 51 من الدستور التي أنكرت صراحة على رئيس الجمهورية حق إدخال أي تعديل على القوانين عند إصدارها ونشرها، وكل ذلك عملاً بمبدأ فصل السلطات، وهو مبدأ دستوري مكرس في مقدمة الدستور.



ه - إن المادة 57 من الدستور لا تتعلق بالتشريع ولا تنظم عملية التصويت على القانون وإقراره خلال المناقشة الثانية له، بل هي مادة تتعلق بالسلطة الإجرائية وتحديداً برئيس الجمهورية ، وأن هذه المادة تنظم الحالة التي يكون فيها رئيس الجمهورية مقيداً بإصدار القانون وطلب نشره في حال مارس حقه بطلب إعادة النظر فيه.