في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المتراكمة، أقرّت الحكومة مؤخراً قراراً يقضي برفع سعر المحروقات من خلال زيادة ضريبية مباشرة، مبرّرة ذلك بالحاجة إلى تأمين تمويل مستحقات العسكريين والمتقاعدين، ورفع القدرة الشرائية للمواطنين عبر آليات دعم موجهة.
ورغم أهمية هذه الأهداف التي لا يختلف عليها اثنان، فإن هذا القرار لا يمكن عزله عن تداعياته الاجتماعية والاقتصادية العميقة، لا سيّما على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
إنّ المحروقات، بما تمثله من عنصر أساسي في دورة الحياة اليومية والاقتصاد الوطني، ليست مجرد سلعة قابلة للتسعير، بل تمثل عنصراً حيوياً ينعكس على كلفة النقل، الغذاء، الإنتاج، والخدمات كافة. وبالتالي، فإن أي زيادة في سعرها، ولو جاءت تحت عنوان "العدالة المالية"، ستؤدي حتماً إلى ارتفاع في أسعار معظم السلع والخدمات الأساسية، لتقع نتائجها المباشرة على كاهل المواطن العادي، وخصوصاً الفقير.
الواقع أن هذه الزيادة، التي اتخذت طابعاً سياسياً واقتصادياً معاً، قد تكون مبرَّرة في نواياها، لكنها تفتقر إلى العدالة في نتائجها. فبينما يحصل بعض الموظفين والمتقاعدين على زيادات أو دعم نسبي، يبقى العامل اليومي، والمواطن الذي لا يملك دخلاً ثابتاً، ضحية هذا القرار، محروماً من أي آلية تعويض فعلية.
ثمّة حاجة فعلية إلى إصلاح مالي حقيقي، لا يبدأ من جيوب الفقراء، بل من ضبط الهدر، ومحاربة الفساد، أما اللجوء الدائم إلى رفع الضرائب غير المباشرة –- كضريبة المحروقات - فإنه لا يعالج الأزمة بل يعمّقها.
إن تمويل الجيش، وتكريم المتقاعدين، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن، هي أولويات وطنية لا نقاش فيها، لكنها لا تُبنى على حساب كرامة الناس ومعيشتهم. فالدولة القوية تُقاس بقدرتها على توزيع الأعباء بعدل، لا بقدرتها على تحصيل الضرائب بسرعة.
إن العدالة لا تتحقق بالقرارات فقط، بل بآثار تلك القرارات على الأرض. والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو إعادة النظر في السياسات الضريبية، ووضع خطة حماية اجتماعية فعلية، تقي الناس شر الجوع والذل، وتمنحهم حق العيش الكريم في وطنهم.