في أمس عبر، وجهت رسالة إلى رئيس قادم (النهار في 31 أيار 2023) يوم كان الفراغ القاتل في سدة الرئاسة، ويوم كانت معرفة هوية الرئيس القادم، ضرباً من الرجم في الغيب.
واليوم، سدّة الرئاسة يشغلها رئيس هو رمز وحدة الوطن، الساهر على احترام الدستور، على ما في هذا الدستور من نصّ، حقّ لنا، مواطنين ورجال قانون، أن نتوجه إليه برجاء الكلام، فمعذرة إن كانت الرسالة عبر وسائل الإعلام.
أما المناسبة فهي صدور قرار عن المجلس الدستوري يبطل بموجبه القانون رقم 9 الصادر عنكم في تاريخ 16 أيار 2025، بناء واستجابة لطعن مقدم منكم لدى المجلس.
سيادة الرئيس، واسمح لي أن أتوجه إليكم بعبارة "سيادة الرئيس"، ذلك أن لقب الفخامة لا يليق برئيس الدولة ورمز وحدة الوطن.
الفخامة من صفات متاع الدنيا، ومنها وصف السيارات بالفخامة وإطلاق هذا النعت على القصور ورياشها.
أما السيادة، فهي صفة نتوجه بها في دعائنا إلى السيد المسيح والسيدة العذراء والدة الإله.
وبهذا اللقب نتوجه إلى رئيس الجمهورية لأنه رمز سيادة الوطن واستقلاله.
ثم أؤكد أني لست بمشير في الموضوع، ولست بمستشار طلب مني الرأي، والمستشارون كثر وفيض، بل مجرد مواطن ورجل قانون يبدي رأيه، وفق قناعته، وقراءته للدستور ولمنطق الحكم.
أمّا بعد،
من الرجوع إلى العدد 33 من الجريدة الرسمية الصادر في 22/5/2025، نقرأ نص القانون رقم 9 المطعون في دستوريته، وفيه أن القانون المشار إليه، صدر عنكم وبتوقيعكم، ولذا وجب أن نستعيد معنى إصدار القانون ومفاعيله. فالإصدار هو المرحلة الثانية في صنع القوانين، بعد أن يكون مجلس النواب قد أقر القانون بنصه، ثم أحاله بواسطة رئيس مجلس الوزراء إلى مقام رئاسة الجمهورية، ليتم الإصدار بتوقيع الرئيس.
ثم إن الإصدار Promulgation، يعني إعطاء القانون الشهادة بتطابقه مع أحكام الدستور، شكلاً ومضموناً. وفي هذا، كتب إدمون رباط:
«La promulgation ne saurait constituer une operation machinale, une simple formalité administrative ; elle presuppose l’obligation de la part du président de la republique de vérifier si la loi votée par la chambre n’est pas en contradiction avec la lettre ou l’esprit de la constitution … »
(ادمون رباط – الدستور اللبناني وأحكامه وتفسيرها، بالفرنسية، ص 323)
أي أن الإصدار ليس معاملة آلية ولا إجراء إدارياً شكلياً، بل إنه يفرض على رئيس الجمهورية واجب التحقق من أن القانون الذي أقره مجلس النواب لا يتعارض مع النص الحرفي للدستور أو مع روحه.
وهذا الواجب المفروض على رئيس الجمهورية، ينشأ عن اليمين التي يقسمها الرئيس وفق أحكام المادة /50/ من الدستور المتضمنة احترام الدستور.
إن هذه اليمين تُشكّل تعهداً من رئيس الجمهورية بالتدقيق في دستورية القوانين التي تقرها السلطة التشريعية حتى إذا وجد فيها ما يخالف الدستور، عمد إلى إعادة القانون إلى المجلس طالباً إليه إعادة درسه.
كما أن المادة /55/ من الدستور، قبل تعديلها بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990، كانت تجيز لرئيس الجمهورية، في حال إصرار مجلس النواب على القانون بعد إعادته إليه، أن يعمد إلى حلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة.
من هذه النصوص والشروحات، يتضح جلياً أن من واجب رئيس الجمهورية، أن يتحقق من دستورية القانون المحال إليه قبل أن يعمد إلى إصداره، وهذا يشكّل رقابة من قبل الرئيس على دستورية القوانين.
وفي الدستور، بنصّه الحالي، بعد إجراء تعديلات بموجب القانون 18 المشار إليه، فقد أبقى هذه السلطة لرئيس الجمهورية الذي له أن يرد القانون إلى المجلس لإعادة النظر فيه، الأمر الذي يشكّل رقابة مسبقة.
إضافة إلى ما تقدم، فقد تم إنشاء مجلس دستوري للنظر في دستورية القوانين، إنما بصورة لاحقة، أي بعد أن يصدر رئيس الجمهورية القانون ويتم نشره.
أعطت المادة 19 من الدستور حق الطعن في دستورية القوانين إلى الأشخاص المعددين فيها، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية.
أما المادة 19 من نظام المجلس الدستوري، فقد حددت مهلة لتقديم المراجعة هي خمسة عشر يوماً تلي نشر القانون، أي بعد أن يكون رئيس الجمهورية قد أصدر القانون وصار نشره.
في هذا المجال، اعتقد أن في نص المادة 19 المنوه بها، قصوراً في توقع احتمال أن يرغب رئيس الجمهورية بالطعن في القانون لعدم الدستورية، وفي مثل هذه الحال يأتي الطعن المقدم منه بعد الإصدار أي بعد أن يكون رئيس الجمهورية قد أعلن، بإصداره القانون، عدم مخالفة هذا القانون للدستور، الأمر الذي يوقع الرئيس في التناقض.
صحيح أن حرفية نص المادة 19 من نظام المجلس الدستوري تسمح لرئيس الجمهورية أن يطعن في القانون بعد أن يكون قد أصدره، لكن منطق الحكم دستورياً وروح الدستور يناقضان هذا النص.
في هذا، كتب الدكتور محمد المجذوب، نائب رئيس المجلس الدستوري، سابقاً، التالي:
"ويبدو أن إعطاء حق المراجعة لرئيس الدولة لا يصح الاّ في الرقابة المسبقة وفي الفترة السابقة للإصدار والنشر . فأعطاؤه حق إصدار القوانين وحقّ الطعن فيها بعد ذلك، يوقعه في التناقض، لأن الرئيس، عندما يصدر القانون، يمنحه شهادة بتطابقه مع الدستور، ولكنه عندما يطعن فيه بعد الإصدار يناقض نفسه ويضعف سلطته المعنوية". (من مقال في "صادر في المجلس الدستوري" ص 290).
أما حل هذا الإشكال، فقد يأتي عن أحد طريقين:
أولهما أن لا يصدر الرئيس القانون في مهلة الشهر المحددة في المادة 56 من الدستور، وبانقضائها يتم نشر القانون واعتباره نافذاً عملاً بأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور. وفي هذه الحالة بإمكان الرئيس تقديم الطعن بعد النشر.
وثاني الطريقين، أن يتم تعديل أحكام المادة 19 من نظام المجلس الدستوري لإعطاء رئيس الجمهورية حق الطعن بدستورية القانون قبل إصداره ونشره، أسوة بحقه في إعادته إلى المجلس لإعادة درسه. وفي غير هاتين الحالتين تبقى سلطة الرئيس المعنوية مدار تساؤل، مع التذكير أنه سبق لبعض الرؤساء السابقين،أن وقعوا في هذا التناقض.
(*) عضو سابق في المجلس الدستوري