د. ميشال الشماعي

زمن المساومات والمفاوضات

31 تشرين الأول 2020

02 : 00

فيما الصراعات الدولية تحتدم على إيقاع انتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية، وسط استشراس تركي لدخول شرقي المتوسّط، محاكاة لمجد الأمبراطورية العثمانية الزائل، وعلى وقع حرب قديمة تمّ إيقاظها في إقليم ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان على الكتف الروسية، وفي ظلّ تقهقر الأجنحة الايرانية في العراق واليمن وسوريا، ودخول لبنان في مفاوضات مباشرة مع العدوّ التاريخي، أي إسرائيل، لترسيم الحدود البحرية والبرّية تمهيداً لتطبيع لبناني – إسرائيلي نفطي، يصارع الرئيس سعد الحريري بعد نجاحه في حرب التكليف، لينجح في معارك التأليف.

إلا أنّ الإشكالية الكبرى تبقى في سؤالين أساسيين وفقاً لشكل الحكومة الذي يطالب به الأفرقاء السياسيون في لبنان كالآتي:

- لماذا إصرار "القوات اللبنانية" والكيانيين الأحرار على حكومة اختصاصيين مستقلّين؟

- لماذا يصرّ "حزب الله" وحلفاؤه على حكومة اختصاصيين، ولكن مع الحفاظ على النكهة السياسية؟

لا بدّ من البحث عن الجوهر الذي يعترض طريق الفريق الحاكم في هذه الأثناء، ولا يمكن التغاضي عن الدينامية الثوروية التي أرستها ثورة تشرين، كما أنّه لا يمكن إغفال الدور الذي يؤدّيه حزب "القوات اللبنانية" انطلاقاً من مقاومته الدستورية من داخل المؤسسات. هذان هما السببان الرئيسان اللذان يعترضان عجلة عربة السلطة، لذلك اتّخذ القرار بالقضاء على هذين الخطّين. وممّا لا شكّ فيه أنّ تعدّد الأجنحة داخل الثورة، وعدم قدرتها على الخروج بمجلس قيادي قد أدّيا إلى تفكّكها؛ هذا من دون إغفال الدّور الذي لعبه الفيروسان: فيروس "كورونا" وفيروس السلطة.

أمّا بالنسبة إلى الدور المزعج الذي يؤدّيه حزب "القوات" فحتّم على أهل السلطة كلّهم التكتّل لمواجهته وإعادة تحجيمه، أو على الأقلّ، إرجاعه إلى الحجم الذي كان عليه قبل انتخابات 2018، وذلك لأنّه ثبت لهذه السلطة أن لا مواجهة حقيقية إلا من داخل المؤسسات. من هنا، سيكون على لائحة أولويات هذه السلطة وكلّ الذين تنازلوا للعودة إلى رحابها، ضرب قانون الإنتخابات لاستعادة ما سلبه منهم. وبالتّالي يقدّمون لأوليائهم الجدد رأس "القوات"، كما قدّمت سالومة بناء على طلب أمّها هيروديا، رأس يوحنّا الذي كان يبكّت ضمير أمّها التي طلّقت زوجها وتزوّجت أخاه.

هذه هي الحقيقة الصارخة التي تجيب عن السؤالين المطروحين آنفاً. فسعي الكيانيّين الأحرار، وهم كثر، إلى تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين غايته انتشال البلاد من الأتون الاقتصادي الذي يحرقها. ومن دون أيّ غايات شخصية لأنّها تنزّهت عن السعي إلى أي مركز أو منصب. من هنا، يجب تلاقي أطراف هذا الطرح والسير قدماً بالمشروع المتّفق عليه، عوض تقديم رأس يوحنّا على طبق من فضّة، خدمة لطهران.

ستتألّف هذه الحكومة مهما كانت الظروف أو المعطيات، لكن يبدو من النهج الذي بات واضحاً لإدارتها المعركة القادمة أنّها لن تكون على قدر كافٍ من المسؤوليّة للمرحلة القادمة، بل سيستخدمها هؤلاء الحلفاء الجدد لتحقيق مآربهم الخاصّة؛ بعضهم سيستفيد من دخوله نادي الحكم من جديد ليحسّن شروطه التمثيلية، وبعضهم الآخر سيستفيد من تكريسه الأعراف لتثبيت مواقعه الدستورية، مُستغلّاً زمن المفاوضات الدولية والمساومات المحلية الذي دخله لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، من طهران حتّى تلّ أبيب، وما بينهما.

ويبقى العرف الوحيد الذي تمّ تكريسه بعد 18 كانون الثاني 2016 وأوصل القويّ، من ثمّ تمّ تكليف الرئيس الحريري مرّتين على أنّه القويّ، هو الهدف البعيد المدى الذي يتمّ التخطيط لضربه، وذلك كلّه لوضع لبنان أمام واقع تفرضه قوّة السلاح غير الشرعي من جديد، والذي سيكون في هذه الحالة المتغلّب على قوّة القانون والديموقراطية، كما درجت العادة في لبنان. إلا أنّ الحريّة تبقى وحدها أغلى نعمة في الوجود، فلا يجوز مبادلتها بأيّ شيء آخر، مهما زاد ثمنه. من هنا، المساومة مرفوضة، والصفقات على حساب الحرية والوطن مرفوضة، ومن يَعِشْ يرَ.