يكاد يجمع منظّرو فلسفة الحرب من لاو تسو إلى كلاوسفيتز على أنّ بداية طريق الفوز في المعركة مع عدوّك هو فهمه واستيعاب مبادئه في الحرب. ولعلّ الخطوة الأولى نحو ذلك تتمثّل بتسمية عدوّك؛ كي لا يكون ما تواجهه تجريدًا فلسفيًّا في سماء أفلاطونيّة. ويُصادف أن العدوّ الذي يواجهه سكّان الشرق الأوسط هو عضويّ المنشأ، أي ليس مستوردًا، وأساسه فقهيٌّ، وارتباطه بالمقدّس الدّينيّ وثيقٌ. وبناءً على سلوكيّاته ونصوصه وأفكار أنصاره يمكن تسميته بـ "التّطرّف الإسلاميّ". وقد يختلف هذا التّطرّف الإسلاميّ بين فِرَقه المتعدّدة (عنيتُ إذا كان سنّيّ المنشأ أو شيعيّ المنشأ أو غيرهما)، بيد أنّ السّلوكيّات والخطاب يبقيان أنفسهما. وقد تجلّت هذه السّلوكيّات مؤخّرًا في التّفجير الانتحاريّ في كنيسة مار الياس في دمشق.
ولا شكّ في وجود أشكالٍ أخرى من التّطرّف في العالم، على سبيل المثال: التّطرّف القوميّ الذي عاد ليظهر في أوروبا كردّة فعلٍ على الهجرة؛ ومع ذلك لا تبرز إشكاليّة التّسمية عند تناوله. ولكنْ كلّما يضرب التّطرّف الإسلاميّ تبرز جهاتٌ إسلاميّةٌ ومسيحيّةٌ - سواء أكانت حكوميّةً أم خاصّةً، دينيّةً أم مدنيّةً – لتطلق عباراتٍ مبتذلةً مثل: "الإرهاب لا دينَ له"، "الهجوم يستهدف جميع المواطنين لا فئة معيّنة"، "تقول الآية الكريمة كذا (شيء عن التّسامح والسّلام)"، فضلًا عن عبارات التّعزية المعتادة.
وفي هذه البرقيّات الأنموذجيّة ثمّة لاأخلاقيّةٌ فاضحةٌ: (1) استسهال قيمة أرواح الضّحايا برفض واقع تقصّد استهدافهم؛ (2) عدم الاعتراف بالأسس الفقهيّة - الدّينيّة للهجوم المتطرّف وتطبيع حدوثه، كأنّه جزءٌ من نمط العيش في الدّول الإسلاميّة؛ (3) تجاهل الأزمة الدّينيّة العضويّة بربطها بالتّأثير الخارجيّ المفترض (نظريّات المؤامرة) ورفض تحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة تجاه تكرار هذا العنف المقدّس.
ولكنْ ثمّة ظاهرةٌ أخرى فاضحةٌ أخلاقيًّا أيضًا، ونجدها عند الطّرف الذي يتعرّض للهجوم، بل الطّرف الذي يخضع للإبادة، وأعني الإثنيّات المسيحيّة في الشّرق الأوسط؛ إذ لا يزال المسيحيّون يرفضون الإقرار بواقعة أنّهم في حربٍ طائفيّةٍ باردةٍ تتحوّل إلى حاميةٍ عند توفّر الظّروف المناسبة. والحقّ أنّ ظاهرة إنكار الشّعب للإبادة التي يتعرّض لها هو شكلٌ من أشكال الإيمان المزيّف، أو خداع الذّات. وهذا ما ينتج ذمّيّةً ذاتيّةً تتمثّل برفض المواجهة، أو حتّى تسمية ما يواجهه. وهذا الخيار قد يكون مقبولًا في حال نجاحه، بيد أنّ التّطهير الإثنيّ الممنهج، والاعتداءات الطّائفيّة، فضلًا عن التّمييز المؤسّساتيّ أثبتت فشله. وهنا نعود إلى أساس فلسفة الحرب، أي مبادئ الحرب. فإنكار واقعة "كراهية النّصارى" المنتشرة في المجتمعات الإسلاميّة لن يزيلها، كما أنّ العنف المقدّس لن يميّز بين مسيحيّ مسلّحٍ أو آخر أعزل، كلاهما يستوفيان الشّروط المطلوبة لإبادتهما: إنّهما مسيحيّان؛ لكنّ الفرق أنّ شروط نجاة الأوّل ممكنةٌ، بينما الثّاني فمعدومة.