على الرغم من أن المعارضة الإيرانية شهدت لحظة استراتيجية خلال حرب الأيام الإثني عشر (يونيو 2025) بين إيران وإسرائيل، فإن مزيجًا من القومية المتصاعدة، والقمع المكثف، وتشتّت القيادة، وانعدام الثقة في الشخصيات المنفية، والتعتيم الرقمي، حال دون خروج الحركات الاحتجاجية إلى الشوارع.
في الواقع، واجه زخم المعارضة عِدّة مُعوّقات، أبرزها الانقسامات الداخلية، كالصراع المُستمرّ بين الإصلاحيين والملكيين والنشطاء العلمانيين، ومجموعات مثل منظمة مُجاهدي خلق، مما قوّض العمل الجماعي وأضعف ثقة الجمهور وتماسكه. كما أن تشرذم قيادة المعارضة، التي بدت غير مُتجانسة ومُنقسمة أيديولوجيًا، حال دون اتخاذها موقفًا سياسيًا أو استراتيجيًا موحّدًا.
لم يكن واضحًا ما إذا كانت المعارضة تمتلك برنامجًا أو رؤية مشتركة لمستقبل إيران: هل هو نظام ملكي؟ جمهورية علمانية؟ أم نظام فيدرالي؟ وقد أثّرت هذه الانقسامات الأيديولوجية على معارضي الداخل، إذ رأى بعضهم في الملكيين تهديدًا بالعودة إلى ماضٍ استبدادي ونخبوي، في حين وُصِم الجمهوريون العلمانيون، من قبل إعلام النظام، بالإلحاد أو الانحلال الأخلاقي.
من جهة أخرى، أسهم انفصال معارضة الخارج عن الداخل في إضعاف دورها، وهو ما تجلّى في النظرة السلبية إلى زعماء المنفى، مثل رجوي وبهلوي، إذ يُنظر إليهم على أنهم يفتقرون إلى تأثير فعلي داخل البلاد. ويُعزى ذلك إلى غيابهم الجسدي عن الساحة الإيرانية، وابتعادهم عن المخاطر التي يواجهها المواطنون العاديون، فضلًا عن ارتباطهم بحكومات أجنبية.
وقد بلغ الأمر حدًّا دفع بعض فصائل المعارضة إلى تبرير قتال جماعات مُعارِضة أخرى، بدلًا من مواجهة النظام نفسه، الذي استغلّ هذا الواقع، حيث عمدت الدعاية الحكومية إلى الترويج لصورة الزعماء المنفيين باعتبارهم "أدوات للصهيونية وأمريكا".
إلى جانب ذلك، ساهم القمع الشديد في خنق الحراك، إذ لجأت الحكومة الإيرانية إلى أجهزتها الاستخباراتية والأمنية سيئة السمعة، لِقمع الاحتجاجات بسرعة وتفريق صفوف المعارضة، ما أدى إلى تجميد موقَّت لأي نشاط لها.
ومن المفارقات التي ساهمت في إضعاف المعارضة أن وسائل الإعلام الخارجية صوّرت الحركة على أنها تعتمد بشكل رئيسي على وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع النظام إلى تركيز جهوده على الإنترنت، وسهّل عليه فرض الرقابة الإلكترونية وعرقلة الزخم الشعبي، عبر "التعتيم الرقمي" الذي أعاق بشدة عمليات التنسيق والتعبئة للاحتجاجات.
كذلك، أدّت التغطية الغربية إلى تضخيم التوقّعات بشأن قرب حدوث تغيير، وهو ما بعث الأمل لدى كثيرين. إلا أن هذا الأمل المُتضخّم ربما أضعف الفِعل المحلي، من خلال تغذية وهم الاعتماد على الضغط الدولي، بدلاً من الاستثمار في التنظيم الداخلي المُستدام.
ولا بدّ من الإشارة إلى دور الغارات الجوية الإسرائيلية على طهران ومناطق أخرى، التي جعلت مخاوف السلامة والإجلاء تطغى على الحماسة الثورية. والأهمّ من ذلك أنها أثارت موجة من النزعة القومية، حيث عبّر العديد من الإيرانيين، بمن فيهم مشاركون سابقون في الاحتجاجات، عن وحدتهم في مواجهة العدوان الخارجي، مُعتبرين هذه الهجمات اعتداءً على إيران كدولة، وليس فقط على النظام الحاكم.
أخيرًا، لعب غموض الرسائل الأميركية والإسرائيلية خلال حرب الأيام الإثني عشر (يونيو 2025) دورًا مهمًا في ثني المعارضة عن التحرّك الحاسم، بسبب غياب مؤشرات واضحة على دعم تغيير النظام، سواء من واشنطن أو تل أبيب. بل إن الإشارات المُتضاربة سمحت للنظام بتصوير أي احتجاج داخلي على أنه نتيجة تحريض خارجي، ما أسهم في تقويض مِصداقية أي حراك، ومكّن النظام من "استعادة توازنه"، وأحبط عزيمة الإيرانيين، الذين خشوا أن يُتّهموا بالانحياز إلى صفّ العدو.
لذلك، وفي لحظة بدت مواتية من الناحية الاستراتيجية، بفعل الضربات الجوية، والضغط الاقتصادي، وحالة الارتباك، لم تتمكن قوى المعارضة الإيرانية من الاتفاق حتى على أهداف قصيرة المدى، مثل تحويل الغضب الشعبي إلى مقاومة مُنظّمة على المستوى الوطني.
تجدر الإشارة إلى أوجه الشبه العديدة مع ثورة أكتوبر 2019 التي انطلقت في بيروت، حيث كان انقسام القيادات وتشرذم الرؤية سببًا في سقوط الحلم وانتكاس الثورة.