أنطونيو فرحات

انتهت حرب الإخوة

لطالما كانت العلاقة الإسرائيلية الإيرانية لغزًا غامضًا بالرغم من وجود توترات ظاهرة بين هذين البلدين. غير أن الحقيقة أنهما يجسدان كيانين طائفيين أقلويين في بحر من الأغلبية العربية السنية. وعليه فإن هاجسهما وتخوفاتهما واحدة لا سيما لناحية تفكيك تلك البيئة والبنية العسكرية لها التي هي مركز الثقل في المنطقة.


 يتبدى عبر الأحداث التاريخية أنهما لم يكونا يومًا أعداء لدودين لبعضهما البعض وإنما كان يجمعهما العداء المشترك للمشرق العربي السني تحديداً. وما تدخل إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان والحرب التي شنتها إسرائيل والتي لا تزال تهدد باستمرارها على هذه الدول إلا دليل على حجم التنسيق الخفي، فواحد يعجن والآخر يخبز الأمر الذي يؤدي إلى نتيجة واحدة ألا وهي إضعاف العدو المشترك وتمزيق تلك الشعوب إلى قبائل أكانت طائفية أم مذهبية أم حزبية، وبالتالي لا مشكلة إذا ما طاولت أحدهما بعض الخدوش لتحقيق الغاية الأسمى المرجوة.


 أبعد من ذلك إن وجود إيران في المنطقة يعتبر ضمانة لإسرائيل في الوجود وإن الراعي الرسمي لهما ولحلفهما المبطن يتجسد بالأميركي، فالتركيز على عدوهما المشار إليه آنفاً الذي يجمعهما ولو بشكل موقت ومتقطع.



 وبالفعل إن ما حصل نتيجة العراك الذي دام بينهما 12 يوماً لدليل إضافي على أن الإخوة يتعاركون مع بعضهم لكن لا يتقاتلون ولا تصل الأمور بينهم حد القطيعة او إعلان الحرب الحقيقية. وقد أكد البارحة على هذه الفكرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الأولاد عندما يتصارعون على الأب عليه أن يكون حازماً لمنع تطور العراك.


 أما المستغرب كنتيجة للعراك الدائر هو إعلان إسرائيل عن اغتيال قادة ومسؤولين سياسيين إيرانيين سرعان ما تبين أنهم على قيد الحياة. هل هذه دعاية كاذبة لنشر انتصار وهمي أم أنه خطأ استخباراتي؟ في كلتا الحالتين إن العراك الدائر بينهما لا يتعدى الرسائل الخشنة للجلوس إلى طاولة المفاوضات لأنه ممنوع أن يتم كسر أي طرف من الطرفين وإلا يكون هذا الفعل خطأً استراتيجيًا، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، ليبقى العدو المشترك بحالة تأهب واستنفار دائم تحسبًا لأي عمل عسكري من أي من الطرفين.

 بالنتيجة، كلما اشتدت الضربات تحسنت شروط المفاوضات وعاد اللاعبون إلى الطاولة متنازلين عن حصص ومكتسبات لصالح الانتصار الإلهي المشترك، الأمر الذي حصل فعلًا وأعلن عنه كل من إسرائيل وإيران باعتبارهما انتصارًا، كيف انتصارًا ولماذا انتصارًا الله وحده يعلم… غير أن الحقيقة لا يهم من انتصر لأن المصيبة على من ذهب ضحية هذا الانتصار الوهمي الذي استخدمت فيها الشعوب كحطب لتأجيج نار الشر والمصلحة وفرض النفوذ إضافة لتعزيز الشروط التفاوضية لكل طرف. فاللعبة لعبة مصالح والحقيقة تبقى بعيدة عن العين المجردة.