بدا الموفد الفرنسي الجديد جاك دو لاجوجي (Jaques de Lajugie) لجوجاً بعض الشيء. صحيح أن ما يطالب به الرجل، لجهة ضرورة تسريع إنجاز قانون إصلاح المصارف، هو مطلب الجميع تقريبًا، لكن الصحيح أيضًا أن اللبنانيين يدركون أن بعض القضايا الحسّاسة لا يمكن تجاوزها تحت أي مسمّى، ومنها قضية الصلاحيات، والحفاظ على التوازنات الوطنية القائمة. وهو بسبب جهله لهذا الواقع، اعتبر أنه ينبغي تجاوز كل المحظورات وإقرار القانون بأي ثمن، وهذا ما أبلغه للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم خلال زيارته إلى بيروت.
أكثر من ذلك، طالب الموفد الفرنسي المصارف بتسهيل إقرار قانون الإصلاح المصرفي، فقيل له إن المصارف مستعجلة أكثر من الجميع، لكنها محيّدة وتنتظر مثل سواها ما سيتقرر في المجلس النيابي.
لكن ملف الصلاحيات، ليس لوحده ما يعرقل قانون إصلاح المصارف الموجود حالياً في لجنة فرعية برئاسة النائب ابراهيم كنعان، بل هناك معضلة أساسية تتعلق بالنظرة إلى طريقة معالجة الأزمة النظامية القائمة اليوم.
من الواضح، أن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ولو أنه لا يجد أي حرجٍ في المجاهرة بإصراره على الحفاظ على استقلالية مصرف لبنان وعلى صلاحيات حاكمه، إلا أن موقفه في موضوع الهيئة المصرفية التي ينبغي أن تعالج أزمة الانهيار الشامل، لا ترتبط حصراً بهذا الإصرار، بل تتعداه إلى اقتناعه بضرورة الفصل التام بين الحلول التي يجب اقتراحها للانهيار القائم منذ العام 2019، وبين معايير معالجة أي أزمة قد يواجهها مصرف ما في المستقبل. والفرق شاسع بين الحالتين.
من الواضح أن المشروع كما هو مُحال من الحكومة إلى المجلس النيابي، يؤدّي إلى التباسات في هذا الخصوص. إذ تبدو المعايير والتركيبة والصلاحيات متماهية مع أزمات قد يواجهها المصرف في وضع طبيعي. في حين أن المطلوب إيجاد كادر استثنائي لمعالجة استثنائية للانهيار. وهذا الواقع هو الذي دفع سعيد إلى اقتراح هيئتين، بدلًا من هيئة واحدة.
اليوم، تتزاحم الاقتراحات لإيجاد مخرج للدوران في حلقة مفرغة، ومنها اقتراح هيئة يُعاد تركيبها بما يتلاءم والمواصفات التي يطلبها الحاكم. وبهذه الطريقة، تصبح هذه الهيئة قادرة على معالجة كل أنواع الأزمات، سواء كانت نظامية شاملة، أو منفردة ترتبط بمصرف واحد.
هذا الاقتراح قد يعالج جانبًا من المعضلة، أي ذلك المتعلّق بالصلاحيات. لكنه قد لا يكون مثاليًا بالنسبة إلى النقطة المرتبطة بالفصل بين الأزمات وفق تصنيفها.
في الواقع، ينبغي تجاوز فرضية أن الأزمات تولد ويولد معها تصنيفها. وهنا تكمن المشكلة المعقدة لدى أية هيئة ستتعاطى مع الأزمات المالية. إذ لا شيء يمنع أن تؤدي مشكلة فردية ترتبط بانهيار مصرف، وبصرف النظر عن الأسباب، سواء كانت نتيجة فساد أو أخطاء أو ظروف قاهرة، إلى أزمة نظامية تستوجب معالجات شاملة نوعاً ما. وهذا ما ينبغي أن يتنبّه له النواب الذين يناقشون اليوم، اقتراحات القانون، وهم غارقون في المفاضلة بين تشكيل هيئة واحدة، كما جاء في الاقتراح الحكومي، أو هيئتين، كما اقترح عليهم حاكم مصرف لبنان.
طبعًا، الكل يعرف أن السبب الحقيقي للمشكلة، يرتبط بالتوازنات والصلاحيات، لكن، وبصرف النظر عن هذه الأسباب، ستكون الفرصة متاحة لإصدار قانون مفيد للمرحلة المقبلة. وقد يكون من المجدي أكثر وجود هيئتين، بشكل دائم، حتى لو كان الأمر متعباً بعض الشيء للحكومة والنواب، الذين قد يضطرون إلى جهد إضافي، للخروج بقانون من هذا النوع.