من عوارض الإنكار، عند أتباع محور الممانعة، التعلق بحبال الهواء. قبل وصول توم براك، حاولوا إقناع أنفسهم بأن أميركا استدارت قليلًا في سياستها تجاه لبنان. قالوا مورغان أورتاغوس كانت وقحة، أما توم براك، فلأنه من أصول زحلاوية ولأنه رجل أعمال يجيد البيع والشراء، فسيكون ميالًا للمساومة. وشطح الخيال إلى حد تسريب معلومات عن مرونته وكياسته وتفهمه لتعقيدات الوضع.
النتيجة أن مورغان لم تصل بها الأمور إلى حد الزحلاوي الذي وزع "ورقة الأفكار" على الرؤساء الثلاثة، والمطلوب أن يجتمعوا من دون إبطاء، وأن يتفقوا على "ورقة الأجوبة" وأن يرسموا خريطة طريق واضحة مع تحديد المهل لنزع سلاح "الحزب"، والرد اللبناني يجب ألّا يتعدى الأسبوع الأول من تموز. ويجب أن يوافق مجلس الوزراء مجتمعًا على هذه الورقة، وعلى تحريك عجلة الإصلاحات، وعلى مراحل التنفيذ بموازاة المطلوب من إسرائيل. إذاً، جاء براك وغادر والذين راهنوا على كياسته، تبين لهم أن الابتسامة التي ترتسم على وجهه تصحبها عبارة: "وإلا… سنترككم لإسرائيل".
ورغم ذلك الأمور لن تكون ميسرة. سيحاول "حزب الله" بشتى الطرق والوسائل والمناورات عدم الانصياع للإرادة اللبنانية والمطالبة الدولية بتسليم سلاحه. في عقيدته، الانتصار كالانكسار، كلاهما يفتحان طريق الجنة، ولعل الانتصار أحيانًا عائق زمني غير مريح يؤخر مغادرة هذه الدنيا الفانية. قبل المراجعة الداخلية لمدى الفشل السياسي وبدائية المعركة التي تورط بها والاختراق الضارب في صفوفه، كان على هذا التنظيم أن يجري مراجعة فكرية لأصول مرجعيته المذهبية، وتقييم ارتباطه بطهران. هذا لم ولن يحصل، لذا سيبقى هذا التسارع إلى القعر على كل المستويات.
حنكة رئيسين من الثلاثة لن تجدي نفعًا في ترغيب وطمأنة وإقناع "حزب الله" ليُسلّم سلاحه. "حزب الله" يفضّل ألف مرة أن ينكسر وينهزم أمام إسرائيل على أن يتنازل في هذا الشأن أمام اللبنانيين. التنازل الداخلي سيفتح ثغرة تكبر مع الأيام وتتسرب منها وتتبخر كل الشعارات والنظريات والوعود وفائض القوة وشبكات المصالح من سياسية ومالية. وإن استمر مسلسل التصفية على مسؤوليه وتدمير الاقتصاد اللبناني، فالهزائم تلو الهزائم تبقي شعلة القضية دائمًا مشتعلة ووقودها البشر والحجر.
أما نحن، من غير اتباع فقيه إيران، فلا يُحسب لنا حساب في معركة تاريخية دينية تخاض نيابة عن أنبياء وأئمة. وأرضنا ليست أرضًا لبنانية، بل هي الحافة الأمامية من جمهورية إسلامية تهتدي بصاحب الزمان، حتى يقضي الله "أمرًا كان مفعولاً".