شوقي سري الدين

لا يمكن لإسرائيل أن تستمر على أساس "يهودية الدولة"

ربما نكون على أبواب نهاية "الأديان السياسية" في المنطقة والعالم على عكس ما يظن الكثيرون في هذا الشأن. إن المشهد خلال هذه الحرب على "محور الممانعة" بعد ضرب "حزب الله" في لبنان، وضربة إيران الأخيرة، ينذر بقرب القضاء على الإسلام السياسي الشيعي بقيادة إيران، وربما إن النظام الآن يترنح وفي خطر السقوط.



لا أعتقد أن هذا النظام في إيران قادر على الاستمرار طويلًا لأنه عاجلًا أم آجلًا عليه أن يواجه شعبه، وهناك سيكون حساب عسير، ليس لصالح النظام بالتأكيد، بعد كل ما حصل خلال هذه الحرب مع إسرائيل، والتي دمرت المقاومة في لبنان خلال بضعة أشهر، وضربت البرنامح النووي والصاروخي الإيراني خلال أيام.



ماذا سيقول النظام في إيران لشعبه بعد 45 سنة من الحكم وقد استنزف ثرواتهم وأفقرهم على أساس وعود تبين أنها مجرد شعارات وأوهام؟


عدا عن الحالة الداخلية الإيرانية، هناك عامل خارجي نتيجة تغيرات في الظروف السياسية الدولية والإقليمية، وقد تبين بعد الضربة الأخيرة على إيران أن هناك توافق ضمني بين القوى الكبرى، ومن بينها الصين وروسيا، على أن النظام العالمي الجديد لا يقبل بأديان سياسية وأيديولوجيات دينية حاكمة، ولا يرغب في أن تبقى إيران دولة متمردة ومعادية للنظام العالمي، بل يريد إيران متصالحة ومتعاونة. لذلك قد يكون التغيير قادم على إيران، ولكن متى وكيف لا نعلم، وهذا إذا ما حدث سيكون نهاية لـ "الشيعية السياسية".



لكن نهاية الإسلام السياسي الشيعي لن تكون إلا بداية نهاية الإسلام السياسي السني، واليهودية السياسية أيضاً في المنطقة. إن المشهد في سوريا الآن إذا ما نظرنا إلى اللاعبين الفاعلين وتوجهاتهم على الساحة السورية، مثل الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي على رأسها السعودية مع مصر.


أما الجهات الأخرى الفاعلة في سوريا فهي تركيا وإسرائيل، ولا نعرف مدى فعالية روسيا في الشأن السوري، فيما إيران أصبحت خارج اللعبة. لا أعتقد أن واحدة من هذه الدول الفاعلة في الشأن السوري تريد أو تشجع إسلامًا سياسيًا كحل سياسي نهائي في سوريا، ولكن تبقى هناك تركيا في هذه الأزمة، فهي لا تمتلك سوى الإسلام السياسي السني ليكون لها سيطرة ونفوذ في سوريا.



المخابرات التركية هي التي دربت وأرسلت المقاتلين الإسلاميين إلى سوريا خلال الحرب الأهلية وكانت الحاضنة لهم. مشكلة تركيا مع سوريا هي أنها لا تستطيع أن تتخلى عن الإسلام السياسي حتى لو أرادت ذلك، لأن ليس عندها أي خيار آخر. إنه ورقتها الوحيدة ومدخلها الوحيد إلى سوريا. قد يكون من الصعب على تركيا أن تستطيع تحقيق ما تريده في سوريا في وجه التحالف القوي الذي ذكرناه سابقًا. وهناك أيضاً الخطوط الحمر الإسرائيلية، وهي عدم قبولها نفوذًا تركيًا - سنيًا على حدودها مع سوريا.



يقول خبراء في الشأن التركي إن الإسلام السياسي داخل تركيا في حالة تردّ أيضًا، وسوف يضعف ويضمحل عند نهاية سيطرة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم. على كل حال هناك تحالف عالمي وإقليمي يعمل للقضاء على الإسلام السياسي في كل الدول حتى لا يكون له مكان في النظام العالمي الجديد.



أما اليهودية السياسية فموتها آتٍ من داخلها، أي من داخل إسرائيل، وكل ما تحتاجه لتنحو بهذا الاتجاه هو الاستقرار قليلًا، والتخلص من خوف وهاجس العدو الخارجي الذي يريد القضاء عليها ورميها في البحر. وهذا ما يبقي الشعوب الإسرائيلية موحدة وليست متقاتلة.



إن الصراع والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي أعمق بكثير من انقساماتنا الطائفية. وهو مختلف بطبيعته. فالمسلم والمسيحي في لبنان يتعايشان جنبًا إلى جنب في القرى والمدن، ويتشاركان الثقافة، التاريخ والعادات والتقاليد، وكذلك إثنيتهما العربية واحدة، مع حفاظ كل منهما على خصوصيته، ما يجعل الانقسام في لبنان مجرد أوهام ثقافية وسياسية. كذلك المكونات الإثنية اللبنانية، مثل الأرمن والأكراد هم من نفس النسيج الثقافي تقريبًا مع اللبنانيين العرب، بسبب التخالط التاريخي ضمن جغرافية المنطقة، وهم يتشاركون تقاليد وعادات متشابهة جدًا.


أما في إسرائيل، فهناك شعوب مختلفة بكل شيء حتى إثنيًا، وليس كما يدعون أنهم جميعًا يتحدرون من قبائل "بني إسرائيل". وكذلك هذه الشعوب الإسرائيلية تأتي من ثقافات مختلفة ومتناقضة في ما بينها، جماعات مختلفة في كل شيء لا يجمعها سوى فكرة الدين، وليس هناك أي رابط آخر، ولكنها غير متفقة على فكرة هذا الدين. وهذا ما يعمق الأزمة الإسرائيلية، لأن الانقسام حاد وعميق بين التيارين الليبرالي والعلماني داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل من جهة، مقابل التيارات المتعددة المتدينة والمتعصبة من جهة أخرى. المخيف في هذا الأمر أن التيارين بحالة صعود ويقتربان من التصادم، وإذا ما حدث هذا سيشكل نهاية للنظام العنصري في إسرائيل في أي حال.



فإذا انتصر الليبراليون بالتحالف مع المكون الفلسطيني وغيره من المكونات داخل الأراضي المحتلة، واستطاعوا الانتقال والتحول إلى دستور مواطنة حقيقي وغير عنصري بالتخلي عن فكرة "يهودية الدولة"، سيكون هذا بمثابة نهاية للنظام العنصري في إسرائيل.



وإذا انتصر المتدينون وأصروا على النظام العنصري و"يهودية الدولة"، ستكون نهاية دولة إسرائيل على يدهم بشكل من الأشكال، لأنهم لن يستطيعوا التعايش مع محيطهم بأي حال. لهذا السبب اعتماد "يهودية الدولة" يختزن بداخله بذور زوال دولة إسرائيل العنصرية.