ريتا ابراهيم فريد

العازف إيهاب جمال: ثقافة الحياة أقوى من الموت وبالموسيقى نحارب تداعيات 4 آب

9 تشرين الثاني 2020

02 : 00

ظهرت موهبته الموسيقية في عمر صغير جداً. مثّل لبنان في الكثير من المسابقات العالمية وحصد جوائز عدة. وكان لهذه المشاركات تأثير كبير ساعد في انطلاقته في الجولات التي قام بها للعزف في بلدان عدة. عازف الكمان الشاب إيهاب جمال الذي تابع دراسته الموسيقية في أرمينيا وحصل على ماجيستير في عزف الكمان من معهد كوميتاس، يبدي دعماً كبيراً للشعب الأرمني ويتأسّف على ما يحصل في إقليم ناغورنو قره باخ، مؤكّداً أنّ هذا الشعب الذي قدّم الكثير للإنسانية يستحقّ أن يعيش بسلام.

كيف تطوّر شغفك في الموسيقى وأين أنت اليوم على الصعيد المهني؟


منذ صغري تعرّفتُ الى الموسيقى في بيتنا، إذ إنّ والدي يعزف على آلة الكمان. وحين بلغتُ سنّ السادسة، اشترى لي آلة الكمان وبدأتُ أتعلّم العزف في المنزل. في هذا العمر لا يكون الطفل ملمّاً في الأمور الفنية، وهُنا يأتي دور الأهل والتربية في المتابعة.

وكانت الأوركسترا الهارمونية الوطنية تعزف أسبوعياً ليلة الجمعة، فكنتُ أحضر هذه الحفلات الغربية. ثمّ بدأتُ أتابع دراستي في الكونسرفتوار الوطني. وحصلتُ في عمر الـ17 سنة على منحة دراسية الى ألمانيا، وهُنا أصبحت الدراسة جدية أكثر، وتابعتُها على مدى سنوات الى أن تخرّجتُ من معهد كوميتاس في يريفان وحصلت على شهادة الماجيستير في عزف الكمان.

وقبل أن يسوء الوضع في لبنان، كنتُ أعمل مع الأوركسترا الهارمونية الغربية كعازف منفرد مع المايسترو هاروت فازليان. وكانت لي جولة في روسيا في العام 2019 بدعوة من الدولة الروسية التي دعتني الى ستة مسارح في ست مدن، وشاركتُ كعازف منفرد مع أوركسترات مختلفة في موسكو وفي مدن أخرى.

لماذا اخترت أرمينيا لتتابع فيها دراستك الموسيقية، وكيف كانت التجربة؟

إخترتُها لأنّ أستاذي في الكونسرفتوار الوطني هو من أرمينيا وقد نصحني بأن أتابع دراستي فيها. وقبل أن أحسم خياري، كنتُ قد توجّهت الى هناك وشاركتُ في مسابقات عدة، وعزفتُ الكثير من القطع الموسيقية لمؤلّفين أرمن، وأيقنتُ كم أنّ الموسيقى الكلاسيكية هي جزء من حياتهم اليومية. كما تعرّفتُ الى تاريخهم العريق في الموسيقى الكلاسيكية، إضافة الى أنّ لديهم مؤلفين وعازفين كثراً برعوا وانتشروا في كل أنحاء العالم. فكان قراري بالدراسة في أرمينيا، وقد أمضيتُ أكثر من سنتين هناك.


من يتابعك على مواقع التواصل الاجتماعــــــــــــــي يلاحظ بوضوح أنّ أرمينيا والشعب الأرمنــــــي تركوا فيك أثراً كبيراً. ما السبب؟

الشعب الأرمني شعب ذكيّ جداً وشغوف وبارع في الفنون على اختلافها، وهذا الأمر أثّر عليّ كموسيقي، وأصبحت لي عاطفة كبيرة تجاه هذا الشعب.

من لم يزر أرمينيا عليه أن يزورها ليشاهد العراقة والتاريخ وطبيعة الأرض والشعب الذي حافظ على أصوله ونقاوته. وأنا أحاول دائماً أن أنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بي فيديوات أعزف فيها لمؤلّفين أرمن.


ما رأيك في الذي يحصل اليوم في إقليم ناغورنو قره باخ؟

لديّ الكثير من الأصدقاء والأساتذة الموجودين في أرمينيا، وأتمنى أن تتوقّف هذه الحرب وأن يعمّ السلام. سياسياً لن أعلّق على هذا الأمر. لكن بالطبع لديّ تعاطف كبير مع الشعب الأرمني لأنه ظُلم منذ أكثر من مئة سنة في المذبحة الأرمنية، ولا تزال الاعتداءات تلاحقه.

هذا الشعب قدّم للإنسانية والبشرية إنجازات كثيرة في الفنون والعلوم والفلسفة، ولا يستحقّ أن يُضطهد كما حدث سابقاً.


شاركت في أكثر من حفل من تنظيم "بيروت ترنّم" بعد انفجار الرابع من آب. ما كان شعورك وأنت تعزف في مناطق تأثّرت كثيراً بالدمار؟

بعد الإنفجار كنّا جميعاً تحت تأثير الصدمة، حتى أنني بقيتُ عاجزاً لفترة عن العزف أو المشاركة في الحفلات. وحين طُلب مني في أول أسبوعين أن أشارك في تقديم عمل ما، رفضت. لكنّ ثقافة الحياة أقوى من ثقافة الموت، والموسيقى تلعب دوراً كبيراً في إعادة الحياة لأيّ شخص تأذّى، وبها سنحارب تداعيات الانفجار المأساوية. من هُنا طُلب منا أن نشكّل مجموعة صغيرة وأن نعزف في أحد أحياء الكرنتينا الذي تعرّض لدمار كبير، حيث كانت الجمعيات غير الحكومية تعمل يومياً في تلك المنطقة.

كان الأمر مؤثّراً جداً بالنسبة لي ولزملائي وللمتطوّعين، وبالنسبة للسكان الذين كانوا يحضرون من شرفاتهم. والحفل الثاني كان في منطقة الجميزة.


كيف كانت أصداء هذه الحفلات؟

التجاوب كان كبيراً جداً، ولاقت الحفلات تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي. كما كان لمقاطع الفيديو انتشار كبير لم يقتصر فقط على لبنان، بل وصل أيضاً الى أوروبا. وتمحورت التعليقات حول أهمية ثقافة الحياة والموسيقى وانتصارها على الموت.


برأيك لأي مدى تستطيع الموسيقى أن تداوي الوجع وتعيد إحياء الأمل؟

اليوم هناك اختصاص music therapy وهـــــــو منتشر كثيراً في الجامعات الخارجية. الموسيقى تؤثّر كثيراً على الجانب العقلي والنفسي وكل جوانب الحياة. عندما نريد "تغيير الجوّ" مثلاً، نسمع الموسيقى. وهي يجب أن تكون جزءاً أساسياً من المناهج التعليمية في المدارس منذ الصغر. والفنون بشكل عام كالرسم والنحت تؤثّر على رقيّ وتصرفات الشعوب، وهي لغة الحب والتفاهم والانسجام.


كيف ترى وضع القطاع الموسيقي اليوم في لبنان؟

الموسيقيون في لبنان يمرّون بوضع صعب جداً على الصعيد المادي والنفسي، حيث أنّ عدداً كبيراً منهم ليس لديه أي مدخول مادي ولا يتلقى المساعدة من أية جهة مسؤولة. إضافة الى الوضع الاقتصادي السيّئ، أتت "الكورونا" وتركت أثراً سلبياً كبيراً، ونحن ذاهبون الى مستقبل مجهول.


MISS 3