جاد حداد

ما العلاقة فعلاً بين أمراض اللثة واضطرابات القلب والسرطان؟

14 تشرين الثاني 2020

02 : 00

يكشف بحث جديد أن أمراض اللثة قد تزيد الالتهابات سوءاً في مناطق أخرى من الجسم. قد يفسّر هذا الاستنتاج الروابط المحتملة بين أمراض اللثة واضطرابات أخرى تترافق مع التهابات مفرطة. عند الإصابة بمرض في اللثة أو التهاب دواعم السن، تفتعل الجراثيم في جير الأسنان هجوماً من جهاز المناعة، ما يؤدي إلى نشوء التهاب قد يستنزف النسيج الليّن والعظام التي تدعم الأسنان مع مرور الوقت.

وفق "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، يصاب نصف الراشدين تقريباً فوق عمر الثلاثين بأمراض اللثة.

تكشف الأبحاث أن هذه الأمراض تُسبب مجموعة واسعة من الاضطرابات الأخرى حيث يكون الالتهاب عاملاً مؤثراً. تطول لائحة الاضطرابات المحتملة، منها التهاب المفاصل، وأمراض القلب، والسكري، والسرطان، والأمراض التنفسية، والخرف. لكن لا تزال الآلية التي تربط بين هذه الحالات وأمراض اللثة غير واضحة حتى الآن.

كشفت التجارب التي أجراها باحثون من كلية طب الأسنان في جامعة "تورنتو"، كندا، أن أمراض اللثة تُحضّر خلايا الدم المعروفة باسم "العدلات" لإبداء ردة فعل مفرطة تجاه الالتهاب في منطقة أخرى من الجسم.

تكون العدلات جزءاً من الدفاعات المناعية الفطرية في الجسم، وهي تطلق جزيئات السيتوكينات التي تزيد الالتهابات سوءاً. يقول المشرف الرئيس على الدراسة مايكل غلوغاور: "يبدو أن خلايا الدم البيضاء هذه تستلم دوراً ثانوياً رغم ضرورة أن يكون دورها رائداً. سرعان ما تصبح العدلات أكثر ميلاً إلى إطلاق السيتوكينات بسرعة مضاعفة، ما يؤدي إلى نتائج سلبية".

نُشرت نتائج البحث الجديد في "مجلة أبحاث الأسنان".

استجابة مناعية منهجية

عندما أصاب الباحثون مجموعة من الفئران بأمراض اللثة، تكاثرت العدلات في نخاع الحيوانات العظمي، ما يشير إلى استجابة مناعية واسعة النطاق أو "منهجية".

في المقابل، شملت الفئران المصابة بالتهاب الصفاق (الغشاء الذي يحدّ البطن) أعداداً متزايدة من العدلات في دمها بالقرب من موقع الالتهاب.

لكن حملت الفئران التي كانت مصابة أصلاً بأمراض اللثة حين تعرّضت لالتهاب الصفاق أعداداً أكبر بكثير من العدلات في موقع الالتهاب.

بعد تكثيف التحليلات، اكتشف الباحثون أن العدلات المأخوذة من الحيوانات المصابة بأمراض اللثة والتهاب الصفاق تشمل مؤشرات جزيئية في أغشيتها الخارجية، ما يعني أنها كانت "جاهزة" للتسبب بالالتهابات. لكن لم تكن العدلات في الوضع نفسه لدى الفئران المصابة بالتهاب الصفاق وغير المصابة بأمراض اللثة.

للتأكد من احتمال أن تتكرر هذه التغيرات المناعية لدى البشر، طلب العلماء من متطوعين أصحاء ألا ينظفوا أسنانهم بالفرشاة أو الخيط طوال ثلاثة أسابيع، ما أدى إلى إصابتهم بالتهاب اللثة، وهو نوع خفيف من أمراض اللثة.

عندما حلل العلماء عينات دم المشاركين في المختبر، رصدوا العدلات المُعدّة للتسبب بالالتهابات كتلك التي وجدوها في تجاربهم السابقة على الحيوانات. وبعدما استأنف المتطوعون تنظيف أسنانهم بالفرشاة والخيط، عادت العدلات في دمهم إلى وضعها الأقل تفاعلاً.

يستنتج العلماء ما يلي: "تثبت هذه النتائج مُجتمعةً أن التهاب نسيج اللثة يترافق مع آثار منهجية تُمهّد لإطلاق استجابة مناعية فطرية متفاقمة. يثبت هذا الوضع أن العدلات تستطيع التجاوب مع مسببات الالتهاب المتزامنة والبعيدة، ما يعني أنها تشارك في إنتاج التفاعلات بين أمراض اللثة وحالات التهابية أخرى".

تدفق السيتوكينات وفيروس "كوفيد - 19"

يلفت الباحثون إلى أن بحثهم يبقى محدوداً على بعض المستويات، لذا يريدون تكرار تجاربهم على نماذج أخرى من أمراض اللثة لدى الفئران والرئيسيات غير البشرية معاً.

كذلك، لم يتّضح بعد أن الالتهاب الذي تسبّبه العدلات المُجهّزة بهذه الطريقة يؤدي إلى تفاقم نتائج اضطرابات التهابية مثل أمراض القلب.

تذكر إحدى الدراسات أن فيروس "كوفيد - 19" قد يكون جزءاً من تلك الاضطرابات. في الحالات الحادة، قد تؤدي الاستجابة المناعية المفرطة أو "عاصفة السيتوكينات المتدفقة" إلى انهيار الأوعية الدموية وتوقف التنفس واختلال أعضاء أخرى مثل الكلى.

يوضح غلوغاور: "وفق بعض الأدلة، قد يصبح المصابون بأمراض اللثة أكثر عرضة بكثير لأسوأ تداعيات فيروس كورونا. تشير العدلات إلى الخلايا المُعَدّة لإطلاق فورة من السيتوكينات. إنها الخلايا نفسها التي تكون في حالة تأهب لدى المصابين بأمراض اللثة".

أخيراً، تفترض مقالة جديدة في مجلة "الفرضيات الطبية" أن الكشف عن أمراض اللثة قد يسهم في تحديد أكثر الأشخاص عرضة لحالات حادة من فيروس "كوفيد - 19".


MISS 3