طارق عمار

لائحة واحدة للمعارضة أم التعدّد في لوائحها

تحليل في نتائج انتخابات الجامعة الأميركية

17 تشرين الثاني 2020

02 : 00

(أ ف ب)

خاضت لائحتان منخرطتان في ثورة "17 تشرين" الإنتخابات الطالبيّة في الجامعة الأميركية في بيروت، وحصدتا أغلبية ساحقة من الأصوات، في سابقة تاريخية على المستوى الوطني. قبل إجراء الإنتخابات، ساد جوٌ من القلق بين المجموعات الثورية حول خطورة خوض لائحتين معارضتين للسلطة الإنتخابات وتنازع الأصوات. لذا، عمل كثيرون، ومن ضمنهم "بيروت مدينتي"، على توحيد المعارضة وجهودها في لائحة واحدة.

توحيد جهود المعارضة صار هدفاً أساسياً يأخذ الحيّز الكبير من النقاش والجهد بين المجموعات الثورية لأسباب تعتبر "بديهية"، بمعنى أنّ مواجهة سلطة متجذّرة لا يمكن أن يكون عبر جهود مبعثرة. هذا السبب، وإن كان منطقياً، فهو من جهة ثانية تبسيطي. فوسائل المواجهة السياسية تتطلّب وضوحاً في المشروع السياسي، وتنظيماً صلباً متجانساً قد لا يتّفق الجميع على الإلتزام به. أمّا التحالف على أساس رفض السلطة فقط، فيُضعف الخطاب السياسي والقدرة على جذب المواطنين والمواطنات إلى صفوفه. وهذا ما حصل في الإنتخابات النيابية عام 2018 مع تحالف "كلّنا وطني" الذي لم ينل سوى 3% من الأصوات.

إنفتاح مقابل تشدّد

بالعودة إلى انتخابات الجامعة الأميركية، فقد أظهرت نتائجها أنّ تعدّد لوائح المعارضة مكّنها من الحصول على 15 مقعداً في مجلس الطلاب المكوّن من 19 مقعداً، و65 مقعداً من أصل 82 في اللجنة التمثيلية للطلّاب والأساتذة.

المفارقة الأولى هي فوز أغلب مرشّحي لائحة "نحن التغيير"، وهي مجموعة حديثة التكوين تأسّست منذ ثلاثة أشهر، إذ فاز من اللائحة 38 مرشّحاً من أصل51، أي بنسبة نجاح فائقة بلغت 73%، فيما فازت لائحة "بعدو بكرا إلنا" المدعومة من النادي العلماني بعدد أكبر من المقاعد، لكن مع فوز 42 مرشّحاً من أصل 95 في لائحتها، أي بنسبة نجاح جيّدة بلغت 44%.

المفارقة الثانية هي أنّ لائحة "نحن التغيير" نالت أصواتاً أعلى بكثير من لائحة "بكرا إلنا"، وصل عددها إلى الضعف في الكلّيات التي تنافسوا عليها.

لا شكّ أنّ مجموعة "نحن التغيير" الجديدة قد استطاعت أن تجذب حلقة أوسع من الطلّاب للتصويت لها، خصوصاً وأنّها انتهجت سياسة الإنفتاح والدمج (Inclusive Approach). نهج الإنفتاح هذا كان سبباً لاتّهامها بأنها مُخترقة من "المستقبل" و"أمل" و"القوّات"، لكنّ المجموعة أعلنت في ردّها عن قناعتها بحقّ كلّ طالب بالحصول على فرصة أخرى وتغيير سياسته، لا بل ذهبت أبعد من ذلك، إذ اعتبرت أنّ تغيير سياسة هؤلاء الطلاب هو هدف سامٍ بحدّ ذاته. بالمقابل، ينتهج النادي العلماني سياسة أكثر تشدّداً في ضمّ المرشّحين، معتبراً أنّ من لم ينخرط في الثورة منذ سنة لا يمكن الوثوق بادّعاءاته اليوم. بغضّ النظر عن النهجين، إنّ نسبة الأصوات التي حصلت عليها كلتا اللائحتين دليل على حضور واسع لكلّ منهما.

تنوّع في صالح المعارضة

هل كانت المعارضة لتحصل على نفس عدد الأصوات لو تمّ ترشيح لائحة واحدة من قبل النادي العلماني؟

على الأرجح لا. باعتقادي أنّ وجود لائحتين قد ساعد في استقطاب شريحة أوسع من الناخبين المؤيّدين، إذ أنّ هناك عوامل عدّة خارج الإطار السياسي تلعب دوراً في المشاركة بالإنتخابات أو عدم المشاركة، لها علاقة بالأفراد والأداء والعلاقات المباشرة. إضافة إلى ذلك، إنّ عزوف الأحزاب السياسية المسيطرة على المجالس السابقة عن خوض الإنتخابات، بالرغم من وجود لائحتين معارضتين، يرجع ربّما لاعتقادهم أنّه من الأسهل لهذه الأحزاب الطائفية خوض الإنتخابات في وجه النادي العلماني لوحده، وأصعب في وجه لائحتين معارضتين. وهذا موضوع لا بدّ للطلّاب والمهتمّين من دراسته معمّقاً والتأكّد منه.

بعض العِبر المستخلصة

بالطبع، لا يمكن استنباط نتائج انتخابات الجامعة الأميركية وتعميمها على النتائج المتوقّعة في الإنتخابات النيابية. غير أنّه من الممكن استنتاج بعض العبر.

طرحت كلتا اللائحتين الثوريتين برنامجاً واضحاً وطموحاً يتبنّى العلمانية كخيار أساس وحقوق الطلبة التي يمكن تعميمها على الوطن، مثل رفض دولرة الأقساط والتحرّش الجنسي... إلى غير ذلك، واختلفتا حول الأداء. فالنادي العلماني اعتبر أنّه وكيل الحقّ بفِعل الأقدمية، وأنّ الوقت الآن هو وقت "النقاء" في اختيار المرشّحين، بهدف تطبيق سياسات طال انتظارها وراكمها بفِعل نضاله في الجامعة وخارجها طوال 12 عاماً، فركّز في خطابه بالتالي على السياسة منتقداً الشعار الإستقلالي. في المقابل، رأت مجموعة "نحن التغيير" أنّ السياسة تنبع من الجامعة، وانتهجت الإنفتاح على الإختلاف بهدف التغيير، وركّزت على استقلالية قرار الطلبة، وأنّ السياسة لا تُملى على الطلّاب من خارج الجامعة. لاقى برنامج اللائحتين قبولاً واسعاً أثبتته صناديق الإقتراع الإفتراضية (جرت الإنتخابات بواسطة الإنترنت) وتوزّعت الأصوات بينهما وِفق خيار الطلّاب لنموذج العمل الأفضل.

إذاً، تنوّع اللوائح الثورية ضمن رؤية سياسية موحّدة يوسّع حلقة المؤيّدين، على عكس ما ينادي به "مبشّرو التوحيد". أمّا بالنسبة للإنفتاح على من كانوا مؤيّدين لأحزاب السلطة وترشيحهم (وإن كنت شخصياً رافضاً له)، فيمكن فهمه لدى الطلّاب الذين لم يبلوروا بعد سياساتهم الخاصة في معظم الأحيان، بل ورثوها عن عائلاتهم. فالجامعات في النهاية مصنع التحوّلات الفكرية لشباب بلغوا لتوّهم سنّ الرشد.

أمّا في الإنتخابات النيابية، وإن كان من الطبيعي الإنفتاح على جماهير الأحزاب بهدف التغيير، إلّا أنّه من غير الممكن أن يتصدّر من أمضى سنوات أو عقوداً مستفيداً من زبائنية السلطة بالأمس، تمثيل أو قيادة الثورة. من هنا، قد يكون نموذج "النادي العلماني" الأفضل في الإنتخابات النيابية، عِلماً أنّ نموذج "نحن التغيير" قد لاقى قبولاً أوسع في الإنتخابات الطلابية. وتبقى الأيام المقبلة كفيلة لتبيان صحّة هذا الطرح.

شبابنا قادتنا 

هل تُصاغ السياسات داخل الحرم الجامعي فقط؟

من الطبيعي مواكبة النضال الطلّابي ومن الضروري عدم التدخّل به. فالطلّاب والشباب كانوا عنوان وقادة التحوّلات السياسية في السبعينات. الأمر ذاته ينطبق على صوغ السياسات المحلّية والوطنية، والتي باعتقادي يجب أن تنطلق من السياسة المحلية وليس العكس.

في النهاية، لمن سأل ويسأل "أين هي الثورة وأين الشباب"؟ نجيبهم؛ ها هم الشباب، يثبتون اليوم دورهم القيادي في جامعاتهم ونقاباتهم، يؤسّسون لقيادة الوطن الذي يبدأ بنجاحهم في تنفيذ برامجهم والتنسيق بين "النهجين".



MISS 3