مريم مجدولين لحام

لبنان سيدفع للشركة 150 ألف دولار في حال فسخ العقد بعد مهلة التمديد له

في التدقيق الجنائي: "أطلبوا من أصحاب السرّية المصرفية رفعها"

17 تشرين الثاني 2020

02 : 00

عملية الإصلاح لا تقتصر فقط على عملية التدقيق الجنائي (فضل عيتاني)

وتبقى قضية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي قابلة للبحث للشهر السابع على التوالي، إذ تنطوي على حقائق قانونية، يتلطّى خلفها الحاكم رياض سلامة ويتحجّج بها، للإحجام عن تسليم أكثر من مئة مستند طالبت بها شركة "الفاريز آند مارسال" المكلّفة بعملية التدقيق الجنائي، وذلك بذريعة السريّة المصرفيّة وقانون النقد والتسليف، ما أفضى بدوره الى تمديد الخلافات وعمل الشركة لـ 3 أشهر إضافية، وسط أنباء عن توافق ما بين بعض الأطراف السياسية لعدم المضي قُدماً بهذا التدقيق.

ولا يستوعب عقل الساسة اللبنانيين، الوافد من قطاع الحرب والتجارة بالأديان، أنّ لكلّ شيء ثمناً، بما في ذلك المساعدات المالية الخارجية لمساعدة لبنان في مواجهة الإنهيار المالي. وهنا نسأل، ما هو السبيل للتدقيق؟ ولماذا يظهر الحاكم المركزي بصورة المتواطئ الذي يطمر الأدلّة كي لا يتمّ تقفّي أثر الفساد، في حين يُمكن للمشرّعين المُمتعضين منه، وما أكثرهم، من إصدار قانون يزيل عقبات السرّية المصرفية؟

سجال قانوني

منذ نيسان الماضي ورياض سلامة يقدّم بحذاقة، نموذجاً حداثياً للمراوغة والمراوحة اللبنانية، فلم يكن من اليسير التعامل معه، إذ تذرّع باستقلاليته تحت وطأة الضغط الخارجي، مؤكّداً أنّه سلّم ما قدّره القانون عليه من مستندات متاحة للعموم، ولا حول ولا، مقابل امتناعه عن تقديم كلّ ما هو دسم ومهمّ وخاضع لعوائق السرّية المصرفية، ورفضه السماح لشركة التدقيق بمساءلة موظّفيه، أو حتى العمل من مغارة المصرف المركزي. وعليه، تصدّر سلامة مشهد إجهاض التدقيق المفروض بقوّة حاجة لبنان إلى المال، وتحويله مستنداً شكلياً فارغ المضمون.

أُديرت معركة التدقيق إعلامياً، كما لو أنّ هناك ملفّات ما عليها أن تبقى خفيّة، فإمّا أن يسلّم الحاكم المركزي الأوراق، وإمّا أن تكون يده مُلطّخة بالشبهات. وهو منطقٌ ينطوي على تناقضٍ صارخ، بين الرغبة في الإطاحة به ومحاصرة فريق سياسي ثلاثي الأقطاب يدعمه، والتشكيك في قانونية عدم تسليمه المستندات.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس منظمة "جوستيسيا الحقوقية" المحامي الدكتور بول مرقص لـ"نداء الوطن" أنّه "في حال يتمحور أصل المشكلة حول السرّية المصرفية فعلاً، فليطلبوا من أصحاب السرّية المصرفية رفعها بكلّ بساطة، فليوقّع أي صاحب سرّية مصرفية كتاباً يرفعها بموجبه لدواعي التحقيق الجنائي المالي، وإن رفضوا، نذهب إلى إقرار قانون. ولكن في الوقت الحالي، فلنضع كلّ الأطراف المعنية أمام مسؤولياتها، وكلّ من يُطلب منه التوقيع على كتاب رفع السرّية المصرفية ويتجنّبه سيُعرف أنه تلطّى خلف حقّه بالإحتفاظ بالسرّية، فالسرّية المصرفية ليست من النظام العام بل وُجدت لمصلحة العميل ويمكن للعميل رفعها، إذ إنّه لا يمكن لشركة "ألفاريز اند مارسال" التدقيق بحسابات مصرف لبنان في ظلّ العوائق القانونية الموجودة حالياً، وبالتالي فإن ما يمكنها فقط هو التدقيق بحسابات الوزارات والادارات العامة".

كذلك شدّد مرقص على أنّ "عملية الإصلاح لا تقتصر فقط على عملية التدقيق الجنائي، وبالتالي يجب ألا يتم الربط بين عملية التدقيق بحسابات المصرف المركزي وبين عملية الإصلاح ككلّ، كما أنه لا يمكن حصر التدقيق في المصرف المركزي، بل عليه أن يشمل التدقيق في جميع الحسابات المشكو منها، سواء في مؤسسة كهرباء لبنان أم في الوزارات، حيث تسليم ملفاتها لن يصطدم بأيّ قانون".

أما ما توّج هذه العوائق التي استحضرها الإعلام، ونفخ فيها التناكف الحزبي من روحه، فهو تقاذف كرة اللوم بين فريقي رئيس الجمهورية الحكومي والنيابي بين أمين سرّ تكتل "لبنان القوي" ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ووزيرة العدل المحسوبة على رئيس الجمهورية ماري كلود نجم التي صرّحت بعيداً من التغريدات اللوامة، أنه قد تم توقيع العقد مع الشركة العالمية المعنية بالتدقيق بعد "الأخذ بالرأي القانوني لهيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل التي اعتبرت بدورها أنّ الشركة المدقّقة لن تتسلّم أي أسماء بل "كودات" وبالتالي إن الأرقام الترميزية هذه لا تعتبر إفشاء للسرّية المصرفية إذ في حال أدينت أي جهة سيشار إليها بـ"الكود" التابع لها".

وبعيداً من شخصنة التنافس والتنابذ على حلّ هذه المشكلة، في تسمية وزيرة العدل بأنها "وزيرة اللاعدل" وتسمية نظيرها "برئيس لجنة إنهيار المال والموازنة" ضمن سلسلة انتقادات محض شخصية، والمعايرة بين الطرفين اللذين يمكنهما اللقاء في مكتب "التيار" للتوصل إلى صيغة حلّ، وهو ما يريده الشعب... لا بدّ من الإشارة إلى أنه في حال فسخ العقد بعد مهلة التمديد له، فإنّ الدولة اللبنانية ستدفع للشركة 150 ألف دولار، ولن يكون بوسع لبنان المضي في مفاوضات صندوق النقد الدولي الذي طالب وفرض التدقيق بالدرجة الأولى، أما في حال استطاعت إتمام مهمّتها، فتكون الكلفة 2 مليون و100 ألف دولار أميركي.

وبما أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد أكّد مراراً أنّ أزمة البلاد ليست ناتجة عن القرارات والسياسة النقدية، رأى المحامي ناجي البستاني أنّ الأدقّ، هو أن يتمّ إقرار مشروع قانون كان قد قدّمه لرئاسة مجلس الوزراء يرفع في تفاصيله أحكام قانون السرّية المصرفية وقانون النقد والتسليف بصورة استثنائية، ولفترة لا تتعدّى ثمانية عشر شهراً، وحصراً بالعقد الذي تبرمه وزارة المالية مع شركة التدقيق الجنائي".

بالمحصّلة، لن ينعم حكّام لبنان المتعاقبين بفرص كبيرة، كما في زمن باريس 1 و2 و3 وحتى "سيدر"، ولن تكون طريق المساعدات المالية مفتوحة، وتقول العقلانية والواقعية إنّ السياسة اللبنانية لا يمكنها أن تبقى على حالها... فهل سيكون "تفادي الإنهيار الكلّي" سبباً كافياً لرفع السرّية المصرفية؟