روي أبو زيد

ستة أعوام على غياب الشحرورة صاحبة "أطول أوف"...

صباح صفحة مشرقة في تاريخ الفن المعاصر

27 تشرين الثاني 2020

02 : 00

يُقال "الابتسامة بتعدي"، المقولة صحيحة والبرهان: صباح. تشعر كأنها والفرح متلازمان، إذ لا ابتسامة حب من دونها والعكس صحيح.

نحتت الشحرورة على مدى 60 عاماً في مسيرتها الفنية تماثيل نبضت حياة وفرحاً وأملاً وعشقاً. وامتلكت صوتاً طربياً وجبلياً فريداً من نوعه، حتى إنها أضحت صاحبة "أطول أوف" تؤديها ببراعة مع ابتسامة لا تُفارق وجهها.

دخلت الصبّوحة موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كصاحبة أكبر إرث فني في التاريخ الحديث.

تُعتبر صباح إحدى أيقونات الفن العربي. اسمها الحقيقي جانيت جرجس فغالي، كما أنها ولدت وترعرت في منطقة وادي شحرور اللبنانية وتلقّت دروسها في مدرسة القلب الأقدس في الجميزة.

عشقت صباح الأضواء منذ صغرها، واستطاعت أن تبرز منذ نعومة أظافرها بفضل صوتها الرائع وجمالها الأخّاذ. تمكّنت من لفت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية آسيا داغر التي كانت تنتج أفلامها في العاصمة المصرية القاهرة. وأوعزت داغر آنذاك إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق مع صباح لتمثيل ثلاثة أفلام دفعة واحدة، وكان الاتفاق بأن تتقاضى 150 جنيهاً مصرياً عن الفيلم الأول.



صباح وأم كلثوم



في جعبة الشحرورة 83 فيلماً مصرياً ولبنانياً، و27 مسرحية لبنانية، وما يزيد عن 3000 أغنية. وتعتبر ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم تغنّي على مسرح الأولمبيا الباريسي برفقة فرقة الفنان روميو لحود وذلك في منتصف سبعينات القرن العشرين. كما وقفت على مسارح عالمية أخرى كأرناغري في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا وقاعة ألبرت هول بلندن، وكذلك على مسارح لاس فيغاس وغيرها. كما شاركت في أهم المهرجانات اللبنانية، ومنها بعلبك، جبيل، بيت الدين والأرز.



... وعبد الحليم حافظ



كوّنت صباح ثنائيات فنية ناجحة مع أهم نجوم جيلها من الفنانين، كما شاركت في بطولة عدد كبير من الأفلام السينمائية مع ألمع الفنانين آنذاك، أبرزهم المطرب الراحل فريد الأطرش، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، والفنان الكبير محمد فوزي، حسين فهمي وغيرهم من الفنانين.

قدّمت صباح أعمالاً ناجحة عدة برفقة الأطرش، منها فيلم "بلبل أفندي" عام 1948، كما لمع نجمها حين تشاركت البطولة مع الفنان محمد فوزي لتشارك معه في "دويتوهات" غنائية عدة في فيلم "الآنسة ماما" عام 1950.

أما أشهر أفلامها فكان فيلم "شارع الحب" مع عبد الحليم حافظ عام 1958، وحقق الثنائي نجاحاً كبيراً حينها. وقدّمت صباح فيه أغاني رومانسية ما زالت مطبوعة في ذاكرتنا الى اليوم، أشهرها أغنية "لأه" من كلمات مأمون الشناوي وألحان محمد الموجي.



... وصديق عمرها فريد الأطرش



وعُرفت ببناء صداقات متينة مع الأطرش ومع اسماعيل ياسين اللذين كانا الأقرب إليها في الوسط الفني.

و قدّمت صباح أيضاً الأغنية الأخيرة للأطرش، وهي أغنية "حلوة لبنان"، إذ أخذ فريد الأطرش كلام الأغنية من الشاعر توفيق بركات، ثم سافر بعدها في رحلة علاجية إلى لندن، وسجل هُناك اللحن بصوته على شريط كاسيت، لكنه رحل قبل أن تسجل صباح اللّحن.

سلّم صاحب شركة صوت لبنان للاسطوانات روبير خياط، النسخة الى الصبوحة، فقامت بغنائها في مسرحية "شهر العسل"، وبكت حينها تأثراً خلال تسجيل الأغنية بصوتها. وكشفت للصحافة آنذاك أنها متفائلة جداً بهذا اللحن وسعيدة به لأنه آخر ما لحّن الموسيقار الكبير، قائلة: "فريد الأطرش سيكون معي في المسرحية، أعطاني من قَبل أجمل الألحان، وكان رفيق المشوار الذي افتقده بشدّة اليوم، فنّان خالد وصديق جميل ووفيّ لا يعوّض".

وكانت "كنز الأسطورة" هي آخر المسرحيات التي قدّمتها الشحرورة، فضلاً عن إصدار أغنيتها المعروفة "يانا يانا" بتوزيع جديد وشاركتها الغناء الفنانة رولا سعد.

اشتهرت بألقاب كثيرة منها "الشحرورة" و"الصبوحة" و"صوت لبنان" و"الأسطورة"، وأطلق عليها الصحافي موسى صبري إسم "الشحرورة" نسبة لعمها "شحرور الوادي"، وجمال صوت عصفور الشحرور. ولُقّبت أيضاً باسم "شمس الشموس صبوحة"، الذي أطلقه عليها الفنان سمير صبري.

وصرحت الصبوحة في لقاء فني نادر لها ببرنامج حواري عام 1988 عن سبب اختيار "صباح" كاسم فني لها، كاشفة أنها حين عادت الى لبنان بعد تجارب فنية ناجحة في مصر، قامت المنتجة آسيا داغر بوضع صورتها في مجلة للتصويت على اختيار الاسم الفني المناسب لها، ولاقى اسم "صباح" الإجماع الأكبر لدى الجمهور.

في أرشيف الصبوحة صور كثيرة نادرة جداً، تمكّنت "نداء الوطن" من الحصول عليها، حيث ظهرت الشحرورة وهي جالسة على الأرض أثناء "تخريط " الملوخية لتحضير وجبة الغداء.

كما تظهر الصبوحة أيضاً فى إحدى الصور خلال قيامها بغسل ملابسها، إذ كانت كغيرها من السيدات، تهتم بشكل كبير بملابسها فتغسلها وتكويها كي تظهر دوماً بمظهر أنيق في إطلالاتها.



... ورشدي أباظة



عُرِفت صباح بتعدّد زيجاتها، فتزوّجت 9 مرات. الرجل الأول في حياتها كان نجيب شماس، وهو والد ابنها الدكتور البكر صباح، وقضت معه 5 أعوام لتتطلّق بعدها وتتزوج من شخصية خليجية لمدة أشهر فقط. ومن ثم تزوّجت لمدة 4 أعوام من عازف الكمان المصري أنور منسى، وأنجبت منه ابنتها هويدا. كما أنها ارتبطت بالمذيع المصري أحمد فراج، وبعد 3 أعوام تزوجت الممثل المصري رشدي أباظة لمدة خمسة أشهر فقط، وبعده الفنان المصري يوسف شعبان شهراً واحداً، والنائب اللبناني يوسف حمود، لعامين.

كما ارتبطت الصبوحة بالفنان اللبناني وسيم طبارة لسنوات عدة. أما الزوج الأخير في حياتها فكان الفنان اللبناني فادي لبنان، وأمضت معــه 17 سنة.

وكانت الشحرورة تبحث عن الحب الحقيقي والصادق الذي يملأ قلبها وحياتها، لكنّها لم تتمكّن من إيجاده في أيّ زوج من أزواجها أو رجل ممّن تعرّفت إليهم، وفق ما قالت في أكثر من مناسبة.

وكانت أوصت قبل وفاتها جمهورها، أقرباءها ومحبّيها، بأن "يكون زفافها بعد مماتها" لتكون جنازتها على وقع أصوات الطبول والمزامير، مليئة بالفرح والبهجة والرقص.



صباح تغسل وتكوي و"تخرّط" الملوخية



وعلى أنغام أغانيها شيعت جنازتها الشهيرة، في 26 تشرين الثاني عام 2014 بعد أن توفيت عن عمر يناهز الـ87 عاماً. وتم تشييعها في مأتم رسمي وشعبي، حيث حرص على حضور جنازتها العديد من الشخصيات النافذة المهمة، والآلاف من محبيها في لبنان والعالم العربي.

أثبتت صباح عشقها لوطنها الأم الذي أولت له الحب والوفاء، ومع غيابها غاب جزء كبير من فجر لبنان وصباحه وإشراقة شمس تغزل الحرية بأشعتها والوفاء بنورها والحب بحرارتها.


MISS 3