"الطاقة" الإيرانية: منفّذو إنفجار "نطنز" قتلوا فخري زاده

طهران "مصدومة"... وتخبّط داخلي حول "طبيعة وتوقيت الردّ"

02 : 00

جثمان فخري زاده في مدينة مشهد أمس (أ ف ب)

لم يستيقظ بعد النظام الحاكم في طهران من صدمة تصفية "أبو القنبلة النووية" العالِم محسن فخري زاده، ولم يستوعب بالتالي بعد حجم الكارثة التي حلّت عليه وعلى برنامجه النووي، خصوصاً أن عملية الإغتيال حصلت بحرفيّة عالية قرب طهران ونجحت في قتل رئيس منظّمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع الإيرانية، الذي من المفترض أنّه يتمتّع بحماية أمنية عالية بحكم موقعه الحسّاس داخل المنظومة الحاكمة في البلاد.

والنظام "المصدوم" من هول الحادثة التي وجّه أصابع الإتهام فيها إلى إسرائيل، متخبّط أيضاً في طبيعة الردّ عليها وتوقيته، فهو متخوّف من ضربة عسكرية أميركية قاسمة في نهاية ولاية الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، تأتي ردّاً على أي "مغامرة" غير محسوبة قد تقع بها طهران، لكنّه في الوقت عينه "مُحرج" أمام الحلفاء والأعداء على حدّ سواء إن لم يأخذ المبادرة بالردّ ليستعيد من خلالها بعضاً من كرامة ومكانة إيران في المنطقة.

وهنا تنقسم المواقف بين متشدّدة تُطالب بـ"ردّ قوي وسريع"، ومعتدلة تُريد التريّث ريثما يستلم الرئيس المنتخب جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض في 20 كانون الثاني من العام المقبل. وبينما لا تزال الجمهورية الإسلامية تحت وطأة حملة "الضغوط القصوى" التي أنهكتها، تشهد أروقة مجالس صناعة القرار إذاً، نقاشاً سياسيّاً حاداً في طبيعة توقيت الردّ، فيما وقّع أعضاء مجلس الشورى بالإجماع بعد جلسة مغلقة أمس، بياناً يدعون عبره للردّ على الإغتيال، ومنع مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول منشآت البلاد.

ودعا رئيس المجلس محمد باقر قاليباف إلى "ردّ فعل قوي" على الإغتيال يُساهم في "الردع والإنتقام" من الضالعين فيه. ورأى مجلس الشورى أن الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما، باتوا "جسورين" في "إرهابهم وتخريبهم" ضدّ إيران، التي فَقَدت خلال الأعوام الماضية عدداً كبيراً من علمائها النوويين من طريق الإغتيال، في عمليّات اتُّهمت واشنطن وتل أبيب بتنفيذها.

واعتبر المجلس، الذي يحظى المحافظون بغالبيّة كبيرة فيه، أن "الردّ الأمثل" على العملية الأخيرة سيكون "إحياء الصناعة النووية الإيرانية"، وتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي الملحق بالإتفاق النووي، والذي يُتيح هامشاً أوسع للمفتّشين. لكنّ المتحدّث باسم منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، شدّد في تصريحات نشرتها وكالة "إرنا" على أن أي تغيير في طبيعة عمل المفتّشين "يعتمد على صدور قرار من الجهات العليا".

وفي هذا الإطار، رأى أمين مجمّع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي أنّه "لا يوجد سبب لئلا تُعيد إيران النظر في التزامها بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، في وقت أعلنت فيه منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية أن منفّذي الإنفجار الأخير في موقع "نطنز" النووي هم أنفسهم من قتلوا فخري زاده، متّهمةً إسرائيل بالتورّط في القضيّتَيْن.

وفي افتتاحيّتها الأحد، طالبت صحيفة "كيهان" المحافظة باستهداف ميناء حيفا في الدولة العبرية في حال "ثبت" ضلوعها في الإغتيال، معتبرةً أن ذلك "سيؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الردع، لأنّ الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ليسا مستعدَّيْن بأي شكل من الأشكال لخوض حرب".

وبينما أكد المرشد الأعلى علي خامنئي السبت ضرورة "معاقبة" الضالعين في الإغتيال، ومواصلة نشاطات العالِم الراحل، شدّد الرئيس حسن روحاني الذي اتهم إسرائيل بالإغتيال، على الردّ في "الوقت المناسب"، لافتاً إلى أن "الأمة الإيرانية أذكى من أن تقع في فخ الإغتيال الذي نصبه الصهاينة"، الذين "لن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة".

ووصل جثمان فخري زاده مساء السبت إلى مدينة مشهد (شمال شرق) لطواف والصلاة عليه في العتبة الرضوية، قبل نقله إلى العتبة الفاطمية في مدينة قم جنوب طهران، وبعده إلى مرقد الإمام الخميني في العاصمة. ومن المقرّر أن يُوارى الثرى اليوم، بحسب ما أفادت وزارة الدفاع عبر موقعها الإلكتروني.

وفي المقابل، رأى وزير الإستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين أن إدانة أوروبا لاغتيال فخري زادة "مجرّد نفاق". وقال كوهين، العضو في حزب "الليكود" الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "بدلاً من اتخاذ موقف واضح في شأن العقوبات اللازمة لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، نراهم (الاتحاد الأوروبي) يدفنون رؤوسهم في الرمال مرّة أخرى"، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية.

وذكر كوهين أنّه "ليس لديه فكرة" عمّن يقف وراء عملية الإغتيال، لكنّه أوضح لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن "إيران تدعو صراحة إلى تدمير إسرائيل. ومن ثمّ، من وجهة نظرنا، أي شخص يُشارك بنشاط في محاولة تطوير سلاح نووي هو هدف للقتل"، معتبراً أن طهران لم تتخلَّ مطلقاً عن خطّتها وجهودها للحصول على القنبلة الذرية.

وفي الأثناء، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسؤول في جهاز الإستخبارات الإسرائيلية حول إغتيال فخري زاده، قوله: "على العالم أن يشكرنا"، في حين رأت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الإغتيال "رسالة واضحة" إلى بايدن، تظهر معارضة الدولة العبرية "العودة إلى الإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني"، في وقت أكد فيه رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي آفيف كوخافي خلال زيارة تفقدية إلى الجولان، تصميم بلاده على مواصلة محاربة تموضع إيران في سوريا.

وكانت لافتة إدانة السلطات الإماراتية لإغتيال فخري زاده، بحيث دعت جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنّب انجراف المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الإستقرار وتهديد السلم"، في حين نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كبير أن مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر سيزور السعودية وقطر خلال الأسبوع الحالي.