5 خرافات شائعة عن البدانة

02 : 00

البدانة حالة شائعة بين الناس لكن تكثر الأفكار المغلوطة عنها وغالباً ما تنتج هذه الحالة وصمة عار اجتماعية. في ما يلي مجموعة من أبرز الخرافات عن البدانة.

1- يكفي أن نخفف الأكل ونكثّف الحركة الجسدية لكبح البدانة!

في حالات كثيرة، يكون استهلاك السعرات الحرارية بما يفوق حاجات الجسم لفترة زمنية طويلة السبب المباشر للبدانة. تشدد معظم التدابير الرامية إلى تخفيف البدانة على تخفيض حجم السعرات المستهلكة أو تكثيف النشاطات الجسدية أو الخطوتَين معاً.

تُعتبر الحمية الغذائية والتمارين الجسدية من العوامل المؤثرة طبعاً، لكن قد تؤثر عوامل أخرى أيضاً على البدانة وغالباً ما يغفل عنها الناس، منها قلة النوم، والإجهاد النفسي، والألم المزمن، واضطراب الغدد الصماء، وبعض الأدوية.

في هذه الحالات، قد يصبح الأكل المفرط مثلاً جزءاً من أعراض الحالة لا سبباً لها.

كذلك، قد تتراكم هذه العوامل لزيادة احتمال البدانة. يرتفع خطر التعرّض للبدانة نتيجة الضغط النفسي مثلاً. وبسبب وصمة العار المرتبطة باكتساب الوزن، قد تصبح البدانة مشكلة عصيبة للبعض، ما يزيد مستويات الضغط النفسي ويطلق دوامة من ردود الأفعال السلبية.

في الوقت نفسه، قد يؤثر الضغط النفسي على نوعية النوم، ما يُمهد للحرمان من النوم، وهو عامل آخر يؤثر على نشوء البدانة. كذلك، يبدو أن قلة النوم تزيد مستويات الضغط النفسي. يذكر تقرير علمي أن مستوى هرمونات الضغط النفسي يرتفع تزامناً مع تراجع مدة النوم.

يكون انقطاع التنفس أثناء النوم أكثر شيوعاً لدى أصحاب الوزن الزائد أو البدينين. في هذه الحالة، قد تنشأ حلقة مفرغة مجدداً: عند اكتساب الوزن، يتفاقم انقطاع التنفس أثناء النوم، ما قد يؤدي إلى الحرمان من النوم ثم اكتساب كيلوغرامات إضافية.

على صعيد آخر، يبرز رابط محتمل بين الألم المزمن والبدانة. تبقى أسباب هذا الرابط معقدة وتختلف من شخص إلى آخر، لكنها قد تشمل العوامل الكيماوية والنوم والاكتئاب وأسلوب الحياة.

يسهل أن نستنتج أن الألم المزمن قادر على زيادة مستوى الضغط النفسي والتأثير على النوم، ما يرسّخ الحلقات المفرغة الآنف ذكرها.

يمكن اعتبار الضغط النفسي والنوم والألم إذاً ثلاثة مسببات متداخلة للبدانة. يختلف الوضع بين شخص وآخر، لكن قد لا تكون التوصيات المرتبطة بزيادة الحركة الجسدية وتخفيف الأكل مناسبة في هذه الحالة.

لا شك في أن السعرات المستهلكة والرياضة عاملان أساسيان لتخفيف البدانة، لكنّ الحل لا يقتصر عليهما.



2- البدانة تسبّب السكري

البدانة لا تُسبب مرض السكري بطريقة مباشرة. يمكن اعتبارها جزءاً من عوامل الخطر المُسببة للنوع الثاني من السكري، لكن لا يصاب جميع البدينين بهذا المرض ولا يكون جميع المصابين بالسكري بدينين.

كذلك، قد تكون البدانة من عوامل الخطر المُسببة لسكري الحمل لكنها لا تسبب النوع الأول من السكري.



3- البدين شخص كسول

تؤثر قلة الحركة على نشوء البدانة ويسهم تكثيف الحركة الجسدية في تسهيل فقدان الوزن، لكن لا تقتصر أسباب البدانة على قلة الحركة.

استعملت إحدى الدراسات في العام 2011 مقياس التسارع لاحتساب مستوى نشاطات 2832 شخصاً راشداً تتراوح أعمارهم بين 20 و79 عاماً طوال أربعة أيام. تراجع عدد الخطوات التي قطعها المشاركون تزامناً مع زيادة وزنهم، لكن لم تكن الاختلافات بارزة بقدر التوقعات، لا سيما في فئة النساء.

في ما يلي لائحة بأوزان النساء وعدد الخطوات المقطوعة يومياً خلال هذه الدراسة:

• أصحاب الوزن «الصحي»: 8819 خطوة.

• اصحاب الوزن الزائد: 8506 خطوات.

• البدينات: 7546 خطوة.

حين نفكر بأن أصحاب الوزن الزائد أو البدينين يصرفون طاقة إضافية مع كل خطوة يقطعونها، يصبح الفرق بين مجموع السعرات التي تخسرها كل مجموعة أكثر تواضعاً.

لا يعني ذلك أن النشاط الجسدي ليس ضرورياً للحفاظ على صحة جيدة، لكنّ القصة أكثر تعقيداً.

يبرز عامل مؤثر آخر في هذا المجال: لا يستطيع جميع الناس أن يمارسوا النشاطات الجسدية. يجد البعض صعوبة في التحرك أو يعجزون عن التحرك بالكامل مثلاً بسبب إعاقاتهم الجسدية.

كذلك، قد تعطي المشاكل النفسية أثراً حاداً على الحوافز الذاتية وثمة رابط على ما يبدو بين الاكتئاب والبدانة، وهذا ما يزيد تعقيد الوضع.

بالإضافة إلى المشاكل الجسدية والنفسية، قد يحمل الفرد صورة سلبية عن جسمه إذا كان بديناً، ما يمنعه من مغادرة المنــــزل في مناسبات متكررة.



4- البدانة وراثية

العلاقة بين البدانة والعوامل الوراثية معقدة. لا يصبح الشخص بديناً بالضرورة إذا كان أقاربه بدينين، لكن يرتفع هذا الاحتمال في حالته مقارنةً بالآخرين.

يصعب أن نفهم دور الجينات والبيئة المحيطة كلٌ على حِدَة، إذ غالباً ما يقيم الأفراد الذين يتقاسمون الجينات نفسها معاً، لذا قد تكون حميتهم الغذائية وعاداتهم وأساليب حياتهم متشابهة.

في العام 1990، نشر فريق من الباحثين دراسة ساهمت في فصل الجينات عن البيئة المحيطة بالناس. نُشرت نتائجها في «مجلة نيو إنغلاند الطبية».

حلل العلماء حينها مجموعة توائم نشأت في أماكن منفصلة وقارنوها مع توائم تربّت معاً. لقد أرادوا بهذه الطريقة أن يفصلوا بين تأثير العوامل الوراثية والبيئة المحيطة بالأفراد. في النهاية استنتجوا ما يلي: «يكون تأثير العامل الوراثي على مؤشر كتلة الجسم حقيقياً. في المقابل، يبقى تأثير البيئة المحيطة بالفرد في طفولته ضئيلاً أو معدوماً».

توصلت دراسة أخرى على التوائم إلى استنتاجات مشابهة في العام 1986. اكتشف الباحثون حينها أن أوزان الأطفال المتبنين تتأثر بأوزان أهاليهم البيولوجيين، لا أهاليهم بالتبني.

رصدت دراسات أكثر حداثة دوراً أكبر للبيئة المحيطة، لكن يبدو أن العوامل الوراثية تلعب دوراً بارزاً في ظهور مشكلة البدانة. في السنوات الأخيرة، بحث العلماء عن جينات تؤثر على احتمال البدانة. وفق «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها»، لا يمكن رصد سبب وراثي واحد في معظم حالات البدانة. منذ العام 2006، اكتشفت الدراسات الجينومية الواسعة أكثر من 50 جينة مرتبطة بالبدانة لكن بقيت آثار معظمها محدودة جداً.

كانت إحدى الجينات المرتبطة بالبدانة عبارة عن متغيّرة جينية اسمها FTO (كتلة الدهون وجينات البدانة). تذكر دراسة من العام 2011 أن هذه المتغيرة ترتبط بزيادة احتمال البدانة بنسبة تتراوح بين 20 و30%.

العوامل الوراثية مهمة طبعاً، لكن لا يعني ذلك أن البدانة تصبح حتمية إذا كان أقارب الشخص بدينين. شملت الدراسة الآآنف ذكرها أفراداً يحملون المتغيرة الجينية FTO وحللت دور الرياضة. استعمل الباحثون فيها بيانات خاصة بأكثر من 218 ألف شخص راشد واكتشفوا أن حمل نسخة من تلك الجينة يزيد احتمال التعرّض للبدانة بمعدل 1.23. لكن تراجع هذا الأثر بنسبة 27% لدى الراشدين المعرّضين وراثياً للبدانة إذا كانوا يمارسون النشاطات الجسدية.

توصّل تحليل تجميعي ومراجعة أخرى إلى استنتاج مماثل بعد تحليل المتغيرة الجينية نفسها. يوضح الباحثون أن حاملي متغيرة FTO يتجاوبون مع مقاربات إنقاص الوزن بالمستوى نفسه. وبالتالي يمكن التصدي، ولو جزئياً، للقابلية الوراثية للبدانة المرتبطة بتلك الجينة عبر الالتزام بهذا النوع من المقاربات. لكن نعود ونكرر أن هذه الاستراتيجيات وحدها قد لا تفيد بعض الناس.



5- البدانة لا تؤثر على الصحة

هذه الفكرة غير صحيحة. تتعدد المشاكل الصحية المرتبطة بالبدانة. تزيد البدانة مثلاً خطر الإصابة بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وهشاشة العظام، وانقطاع التنفس أثناء النوم، وبعض الاضطرابات النفسية أيضاً.

لكن حتى أبسط فقدان للوزن قد يعطي منافع صحية معينة. وفق معطيات «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها»، يمكن حصد المنافع الصحية على الأرجح عبر فقدان 5 إلى 10% من الوزن الإجمالي، وقد تشمل تلك المنافع تحسّن ضغط الدم ومستوى الكولسترول والسكر في الدم.

كذلك، تستنتج مراجعة أخرى نشرتها «المجلة الطبية البريطانية» أن خطط إنقاص الوزن قد تُخفّض حالات الوفاة المبكرة لجميع الأسباب لدى الراشدين البدينين.

في النهاية، تبقى البدانة ظاهرة شائعة جداً وقد تترافق مع تداعيات كبرى بسبب وصمة العار المرتبطة بها اليوم. ثمة حاجة مُلحّة إذاً لمعالجة المشكلة عند وقوعها.


MISS 3