جورج العاقوري

أصابت "القوات"... إلى لجنة تقصّي حقائق دولية دُرّ

14 كانون الأول 2020

02 : 00

كتاب صوّان إلى مجلس النواب "لزوم ما لا يلزم" (رمزي الحاج)

أخلاقياً، لا حصانات أمام فاجعة إنفجار بيروت، لكن لا حدود للفجور عندنا، حيث يُزجّ وجع الناس ودماؤهم في زواريب الطائفية والمُماحكات السياسية. وكما انّ إنفجار 4 آب الماضي "كسر الحصار" الدولي على لبنان بنظر رئيس الجمهورية ميشال عون، كذلك، إنّ استدعاء المحقّق العدلي القاضي فادي صوان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب "كسر الحصار" السنّي عنه بنظر الجميع، وربّما عبّد طريقه الى نادي رؤساء الحكومات السابقين.

في بلد كلبنان، مشهد الإصطفاف الطائفي عقب قرار صوّان ليس مُستغرباً بالطبع، وليس حِكراً على طائفة، لكنّه مقيت ويظهر جوهر فشل التجربة اللبنانية الذي يكمن في عدم النجاح بجعل المواطنية تسمو فوق الهوية الطائفية والمناطقية والحزبية.

بادئ ذي بدء، يشهد للقاضي صوّان جرأته بتسلّم ملفّ كهذا، لكن تُسجّل سقطات له، أكان في مضمون كتابه الى مجلس النواب، أو في شكل إدّعائه على دياب والوزراء الثلاثة. يتفهّم الجميع حجم الحمل المرمي على عاتقه جرّاء "سذاجة" أهل الحلّ والربط في تكليفه أو رغبتهم بالعرقلة، فلا فريق عمل قضائياً يعاونه في التحقيق بجريمة بهذا الحجم - حيث اعتبر انفجار بيروت ثالث أقوى انفجار في العالم. فلو شُكّل فريق عمل قضائي من أنزه القضاة وأجرَئهم لتوزّعت المهام، وسرّع التحقيق وخفّ ضغط الشارع، وتمّ الحدّ من أي إخفاقات فردية. كما أنّ البدائية حالت دون توفر ناطق إعلامي يعلن دورياً عن المراحل التي يسلكها التحقيق، ما يضفي شفافية على مساره، وبعض الإطمئنان عند المواطنين.

فكتاب صوّان الى مجلس النواب "لزوم ما لا يلزم". إن كان بالفعل الدافع، كما ورد فيه، حضّ المجلس على ممارسة صلاحياته الدستورية، في ظلّ شبهات جدّية بالإخلال بالواجبات تطال كلّ رؤساء الحكومات ووزراء العدل والمال والأشغال ما بين العامين 2013 و2020، مع حفظ حقّه كمحقّق عدلي بالادّعاء على كلّ لبناني، ففي الأمر "سذاجة". فهل من يتوهّم أنّ مجلساً تسبّبت أطيافه الأساسية بانهيار البلاد بعدما عاثت هدراً ونهباً وفساداً على مدى ثلاثين عاماً، سيلاحق أزلامها؟! أمّا إن كان يدرك مسبقاً أنّ المجلس لن يتحّرك ولكن خطوته لتبرير إدعائه لاحقاً على أيّ من الرؤساء والوزراء، فهي "تذاكٍ" يعكس ضعفاً وخلق بلبلة.

الأصل في الملاحقة أنّها تعود للقضاء العدلي، اما الملاحقة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فهي الإستثناء الذي لا يجوز التوسّع إطلاقاً في تفسيره، لا سيّما في ظلّ الظروف الراهنة. فضلاً عن أنّ صلاحية مجلس النواب في الإتّهام وفقاً هي جوازية أي غير حصرية، وبالتالي غير نافية لصلاحيات القضاء العادي. لكن فرضاً إن كان لمجلس النواب بالأفضلية الحقّ بالمباشرة بالدعوى، فعند تلكّئه من واجب النيابة العامة القيام بهذا الحقّ صوناً للعدالة. ما يعني أنّ التسلح بالمادتين 70 و71 من الدستور المتعلّقتين باتّهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكاب الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم وبمهام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لادّعاء وجود حصانات، يسقط أمام إحقاق الحق وتطبيق العدالة.

هناك سوابق، حيث نصّ قرار محكمة التمييز الجزائية بتاريخ 24/3/1999 بـ"الإدّعاء على الوزير بالجرائم المخلّة بواجبات الوظيفة امام القضاء العادي في حال لم يستعمل مجلس النواب بالأفضلية صلاحيته هذه". كذلك اعتبر قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الصادر بتاريخ 8/3/2000 "المحاكم العادية وليس المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مختصّة لملاحقة ومحاكمة الوزراء بالجرائم العادية التي يقترفونها بمعرض ممارستهم مهامهم".

لا ينصّ الدستور بوضوح على حصانة الّا لرئيس الجمهورية وِفق المادة 60. لكن أي حصانة هذه التي قد تبرّر إكتفاءه بإجراء روتيني في ملفّ استثنائي، خصوصاً بعدما أقرّ الرئيس ميشال عون بمعرفته بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ وإكتفائه بتوجيه احالة الى المجلس الأعلى للدفاع، وهو العليم كقائد جيش بخطورة هذه المواد وكمسؤول في الدولة بالبيروقراطية القاتلة فيها؟!

أما ادّعاء صوّان على دياب والوزراء الثلاثة، فهو محقّ قانوناً، ولكنّه يفتقد الى الحكمة والحنكة شكلاً. فهو يشكّل سقطة مخالفة للأصول القانونية، إذ يدّعي على النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر خلال عقد عادي لمجلس النواب!!!

إن كان الإدّعاء سيشمل كل من ورد ذكرهم في الكتاب الى مجلس النواب، فكان الأجدى أن يصدر دفعة واحدة فيقطع الطريق على أي حديث عن انتقائية. أما إن كان الإدّعاء محصوراً بالأربعة، فالسؤال مشروع لمَ هم وكلّ واحد من حقبة وزارية مختلفة؟! هل من أجندة تنفّذ، لا سيّما عقب زيارة مجلس القضاء الأعلى الى قصر بعبدا؟!

في الحقيقة، إنّ انعدام الثقة بالقضاء وخيبة الأمل من التحقيقات بكلّ عمليات الإغتيال منذ العام 2005، إذا ما أضيف اليهما كلّ هذا الجدل القانوني والإصطفاف الطائفي المتوقَعّين لا محالة، والضغوط في قضية بهذا الحجم في دولة مترهّلة والجسم القضائي فيها غير محصّن، عوامل تؤكّد أنّ "القوات اللبنانية" أصابت بدعوتها منذ اليوم الأول الى اللجوء "للجنة تقصّي حقائق دولية" بإشراف الأمم المتحدة. بهذه الخطوة، لا نتلافى فقط المراوغة وتجهيل الفاعل والسجالات القانونية العقيمة والألغام الطائفية، بل أيضاً المطبّات الكامنة بإحالة القضية الى المجلس العدلي الذي تُحال امامه الجرائم التي تمسّ بأمن الدولة، وهي كلّها من نوع الجناية (ارهاب، خطف أو إغتيال) في حال تبين انّها ناجمة عن إهمال أو تقصير أي من نوع الجنحة لا الجناية. لذا، رأفة بدم الشهداء وأوجاع الجرحى وأهلهم والمتضرّرين، الى لجنة تقصّي حقائق دولية دُرّ...


MISS 3