ميشال زيدان

"الأشقاء غير المنتظرين" روايته الأخيرة

الحضارة العالمية تحت مجهر أمين معلوف

18 كانون الثاني 2021

02 : 00

لا تتطرق رواية أمين معلوف الأخيرة "اشقاؤنا غير المنتظَرين" nos frères inattendus كسابقاتها، الى حضارة الشرق ومقارنتها بالغرب، بل تثير بطريقة غير مباشرة، مسألة الحضارة العالمية برمّتها و كأنها تجسيد لأفكار الكاتب التي عرضها في كتابه السابق.

حرصَ معلوف على ترابط الأحداث باتباعه شكل يوميات ترصد تطور الحبكة وهي من أكثر رواياته تشويقاً. أما الراوي، صاحب اليوميات فرسام كاريكاتور معروف خصوصاً في اميركا والعالم الأنكلوسكسوني. صحيح أنه من أمّ اميركية لكنه أيضاً من أبّ كندي فرنسي الأصل، ما يبرّر إقامته في جزيرة على غربي الأطلسي لا يفصل بينها وبين القارة الأميركية سوى المحيط، وقد اختارها كونها صغيرة ومنعزلة ولا يسكنها سوى شخص آخر هو الكاتبة المشهورة "إيف"، والتي لم يتواصل معها مطلقاً قبل اندلاع الأحداث. إلّا انه اضطر الى زيارة جارته هذه، عند وقوع الحادثة المقلقة التي تعرّضت لها الجزيرة، إذ انقطعت فجأةً جميع انواع الاتصالات فراح ساكنا الجزيرة الوحيدان يتساءلان بقلق عمّا يحدث. هل هو مجرد عطل تقني او انها بداية حربٍ نووية كان يتوقع سكان الأرض حدوثها منذ عدة سنوات حيث ارتفعت حدة التنافس بين الدول وكثر القادة المهووسون بالسيطرة وقد امتلكوا تقنيةً في غاية التطور؟ وقد تكون ايضاً احدى العمليات الإرهابية امتد تأثيرها الى معظم بقاع العالم!

لحسن الحظ ان للرسام " آليك دانزر" صديقاً من اشهر المحامين وقد اصبح من مستشاري الرئيس الأميركي الذي اضطر الى تحمل مسؤولية هذه "الكارثة" العالمية، كونه رئيس أكبر دولة في العالم. من خلال هذا الصديق، تأكد آليك أنّ ما حصل من صنع البشر وأنّ فئة من الناس استطاعت بتقنيتها وتفوقها العلمي ان تفرض نفسها على كل دول العالم التي بدت متحدة لأول مرة ، فهؤلاء "غرباء" ليسوا من كوكب آخر وإنما بكل بساطة، من اليونان، لكنهم يستوحون مبادئهم من الإغريق القدماء وأحد فلاسفتهم المغمورين. ولكن من اين لهم هذه القوة الخارقة وهل يسعون الى تدمير العالم كأي شعب يجد في نفسه القوة الكافية ام انهم فعلاً، كما يقولون، يتوخون خير العالم؟

اصدقاء ام اعداء؟

بدا للراوي أن حسن نوايا هؤلاء القادة الجدد، قابل للتصديق خصوصاً عندما عرضوا خدماتهم المبهرة في مجال الطب وشفاء البشر. هكذا تنتقل الرواية شيئًا فشيئاً، من اجواء التوتر والصراع بين هؤلاء وسائر دول العالم، الى نهاية غير متوقعة هي أقرب الى النهاية السعيدة. في بادئ الأمر كانت ردة فعل الوسط السياسي حذرة ثم انقسمت بين مؤيد ومُعارض. اما شعوب العالم التي كانت بأمس الحاجة للمساعدة، فقد استجابت للعروض التي قدّمها "هؤلاء"، وخاصة الطبية منها، كأنها أدركت ان الصحة والحياة المطمئنة هما هدف البشر الأول وأفضل وسيلة لتوحيدهم .

تبدو الرواية اذاً مختلفة عن سابقاتها التي ركز فيها معلوف على التاريخ وبشكل خاص على حضارة الشرق. اذ يطرح المؤلف هنا شؤون العالم ككل، رغم تخصيصه جانباً للتاريخ عبر دور الإغريق القدماء، ولكن الأمر لا يخلو من الغرابة، خصوصاً ان القصة تخلّلها أيضاً بعض مظاهر الخيال العلمي وكأنّ امين معلوف لا يرى حلاً لهذا العالم إلّا بقوةٍ سحرية، او خارقة، او بالعودة الى التاريخ، حيث الحضارة الحقيقية وهنا يأتي دور الثقافة والقدرات السلمية من فكر وفن.

أمين معلوف و أزمة الحضارات

في كتابه "هويات قاتلة" الصادر عام 1998، تطرّقَ امين معلوف للمرة الأولى بهذا الوضوح، الى المنحى السلبي الذي اتخذته الحضارات عندما بدأت تنطلق من كونها هويات قومية او اثنية او طائفية منغلقة على نفسها ومناوئة للآخر. اما في كتابه "غرق الحضارات"le naufrage des civilisations، فيرى أن ّ "الحضارة العالمية"، رغم وصولها الى مستوى غير مسبوق من التطوّر العلمي على صعيدي الطب والتكنولوجيا خصوصاً، وجدت نفسها في مأزق بفعل سياسة أكثر تعصباً. ويعتبر معلوف ان الشرارة الأولى انطلقت عام 1979، عندما وصل الإسلاميون الى الحكم في ايران، تقابلها سياسة اكثر تصلباً وأقلّ انفتاحاً مع مرغريت تاتشر في بريطانيا ورونالد ريغان في اميركا. هذا "الانحراف للحضارة " – كما يقول – يتعارض مع ما ينادي به الغرب من مساواة وحقوق إنسان كما يتعارض مع مفهومه هو، للحضارة الحقيقية. لكن معلوف الذي وضع الإصبع على الجرح رأى الحل الوحيد بالعودة الى "الأخلاقية" والمبادئ الإنسانية والتطور الفكري والثقافي الذي كان سائداً في الماضي لدى حضارة الإغريق مثلاً. أما في ما يتعلق بتعايش تلك الهويات في ما بينها، فيقدم معلوف مثل النموذج اللبناني الذي قضت عليه الحرب فبات نموذجاً للخلافات. لم يقصد معلوف هنا، التبجح بحضارة الشرق او "المشرق" بقدر ما أراد ان يثبت بأنّ مأساة العالم تكمن في فشل أرقى التجارب حضارياً عبر التاريخ.


MISS 3