رابط بين الخَرَف وفقر الدم؟

14 : 00

استنتجت دراسة جديدة أن ارتفاع أو انخفاض مستويات الهيموغلوبين أكثر من اللزوم يزيد احتمال الإصابة بالخرف مع التقدم في السن! الهيموغلوبين بروتين موجود في خلايا الدم الحمراء ويتولى نقل الأوكسجين من الرئتين إلى بقية أعضاء الجسم. بشكل عام، يشير تراجع مستوياته إلى الإصابة بفقر الدم. ويُعتبر فقر الدم من أكثر الاضطرابات الدموية شيوعاً، إذ يصيب حوالى 1.62 مليار شخص حول العالم. يرتبط انخفاض مستويات الهيموغلوبين بعدد من النتائج الصحية المعاكسة، منها الجلطات الدماغية ومرض القلب التاجي. لكن تَقِلّ المعلومات المتعلقة بالرابط القائم بين الهيموغلوبين وخطر الإصابة بالخرف.

قرر باحثون من مركز "إيراسموس" الطبي في "روتردام"، هولندا، تحليل الروابط بين مستويات الهيموغلوبين وفقر الدم والخرف، ونشروا نتائجهم حديثاً في مجلة "علم الأعصاب".

استعمل الباحثون بيانات تعود إلى 12305 أفراد بلغ متوسط أعمارهم 65 عاماً. لم يكن أي من المشاركين مصاباً بالخرف في بداية الدراسة. قاس العلماء مستويات الهيموغلوبين لديهم في بداية التجربة، وكان 6.1% منهم (745 شخصاً) مصاباً بفقر الدم.

زادت معدلات فقر الدم لدى الرجال مع التقدم في السن، لكن أصبحت هذه الحالة أكثر شيوعاً لدى النساء قبل مرحلة انقطاع الطمث. وخلال فترة المتابعة التي امتدت على 12 سنة، أصيب 1520 فرداً بالخرف. اطّلع الباحثون أيضاً على مسوحات دماغية تعود إلى 5319 مشاركاً، ما سمح لهم بتقييم تدفق الدم في أنحاء الدماغ، ومؤشرات الأمراض الوعائية، والروابط بين المناطق الدماغية.

زيادة بارزة في الخطر

أخذ العلماء بالاعتبار مجموعة من المتغيرات التي قد تؤثر على نتائج تحليلهم، منها العمر، والجنس، والتدخين، وشرب الكحول، ومؤشر كتلة الجسم، والسكري، ووظيفة الكلى، ومستويات الكولسترول. فاكتشفوا زيادة في خطر الإصابة بالخرف لدى من سجلوا مستويات مرتفعة ومنخفضة من الهيموغلوبين مقارنةً بمن سجلوا مستويات متوسطة. كتب الباحثون: "مقارنةً بغير المصابين بفقر الدم، ارتبط هذا الاضطراب بزيادة مخاطر الخرف الناجم عن مختلف الأسباب بنسبة 34%، وزيادة مخاطر الزهايمر بنسبة 41%".

وعندما حلل العلماء بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي، اكتشفوا رابطاً موازياً، ما يعني زيادة عدد الإصابات في المادة البيضاء وتراجع الروابط بين المناطق الدماغية، تزامناً مع ارتفاع أو انخفاض مستويات الهيموغلوبين أكثر من اللزوم.

كذلك، لاحظ الباحثون أن المصابين بفقر الدم كانوا أكثر عرضة لنزيف دقيق واحد على الأقل بنسبة 45%، مقارنةً بغير المصابين به. ينجم هذا النزيف الدماغي البسيط على الأرجح عن اضطرابات بنيوية في الأوعية الدموية، وترتبط زيادة حالاته بالتراجع المعرفي والخرف.

لكن لا تثبت هذه الدراسة وجود رابط سببي بين مستويات الهيموغلوبين والخرف. تساءل الباحثون مثلاً عن احتمال أن يشتق هذا الرابط من تغيرات وعائية أو أيضية كامنة أو ذات صلة، وقد يتعلق بعضها بالحديد أو الفيتامينَين B9 وB12. كذلك، ذكر الباحثون أن فقر الدم يكون أحياناً جزءاً من اضطرابات كثيرة تتراوح بين أمراض نادرة، مثل متلازمة خلل التنسج النقوي، وحالات أكثر شيوعاً، مثل الالتهابات. ورغم محاولة الباحثين السيطرة على هذه العوامل في تحليلهم، إلا أنها تستطيع التأثير على الخرف عبر مسارات تختلف عن مستويات الهيموغلوبين.

ما سبب الرابط المحتمل؟

بما أن الهيموغلوبين ينقل الأوكسجين في أنحاء الجسم، يمكن أن تفتقر أجزاء دماغية محددة إليه حين تتراجع كميته، ما قد يؤدي إلى نشوء التهابات وتضرر الدماغ. في المقابل، قد تتعلق المشكلة أحياناً بنقص الحديد. يوضح الباحثون: "الحديد عنصر محوري في عمليات خلوية متنوعة في الدماغ، منها تركيب الناقلات العصبية، ووظيفة المتقدرات، وتكوّن الميالين في الخلايا العصبية".

لا يزال السبب الذي يفسّر تأثير مستويات الهيموغلوبين على مخاطر الخرف محط جدل. لكن تتعلق إحدى الفرضيات بزيادة لزوجة الدم عند ارتفاع تلك المستويات، ما يُصعّب على الدم دخول أصغر الأوعية الدموية، ويمكن أن تتراجع إمدادات الأوكسجين نتيجةً لذلك.

باختصار، تعطي هذه الدراسة ثقلاً للنظرية القائلة إن مستويات الهيموغلوبين ترتبط بمخاطر الخرف. ونظراً إلى ارتباط الخرف بمخاوف هائلة ومتزايدة وشيوع فقر الدم على نطاق واسع، سيكون فهم طريقة عمل هذا الرابط على رأس الأولويات. ختم الباحثون قائلين: "من المتوقع أن تزيد حالات الخرف بثلاثة أضعاف خلال العقود المقبلة، ويُفترض أن تُسجَّل أكبر الزيادات في البلدان التي تبلغ فيها معدلات فقر الدم أعلى المستويات".